للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثِيَابه، ثمَّ أقبل تبرق أسارير وَجهه، فَأقبل على الخبّاز فَقَالَ: يَا بائس مَا أرانا إِلَّا وَقد روّعناك، أَنْت وأولادك أَحْرَار لوجه الله. فَهَذَا هُوَ التَّوَاضُع الْجَمِيل، والبذل الْحسن، وَالْكبر الْمَحْض. قَالَ سلم بن زِيَاد لطلْحَة بن عبد الله بن خلف الْخُزَاعِيّ: إِنِّي أُرِيد أَن أصل رجلا لَهُ عليّ حق وصحبة بِأَلف ألف دِرْهَم فَمَا ترى؟ قَالَ: أرى أَن تجْعَل هَذِه لعشرة، قَالَ: فأصله بِخمْس مائَة ألف دِرْهَم؟ قَالَ: كثير، فَلم يزل بِهِ حَتَّى وقف على مائَة ألف دِرْهَم، قَالَ: أفترى مائَة ألف يُقضى بهَا ذمام رجل لَهُ انْقِطَاع وصحبة ومودة وَحقّ وَاجِب؟ قَالَ: نعم، قَالَ: هِيَ لَك، وَمَا أردْت غَيْرك، قَالَ: فأقلني، قَالَ: لَا أفعل وَالله. قبض غَرِيم لِلْحسنِ بن سهل - بعد محنته - عَلَيْهِ، وَصَارَ بِهِ إِلَى مجْلِس أَحْمد بن أبي دَاوُد أَرَادَ أَن يضع مِنْهُ حسداً لَهُ، وَركب أَحْمد، وَجلسَ الْحسن ينتظره فَدخل كَاتب لِلْحسنِ فَقَالَ لَهُ: بِعْت الضَّيْعَة؟ قَالَ: نعم، قَالَ: بكم؟ قَالَ: بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار، قَالَ: وقبضت الثّمن؟ قَالَ: نعم، قَالَ: زن لهَذَا الْغَرِيم مَا لَهُ، وَسَأَلَ جَمِيع من كَانَ حضر للْحكم، وَكَانَ بَعضهم يُطَالب بَعْضًا، وهم ينتظرون عود ابْن أبي دَاوُد، فأدّى عَن كل مطَالب مَا عَلَيْهِ، وَرجع ابْن أبي دَاوُد فَلم يجد فِي مجْلِس الحكم أحدا، فَسَأَلَ عَن الْخَبَر فَأخْبر بالقصة، فَكَانَ بعد ذَلِك من الواصفين لجلالة الْحسن بن سهل وَكَرمه. دخل رجل على خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا مُفْلِح، قَالَ: وَكَيف قلت ذَلِك؟ قَالَ: لِأَن الله عز وجلّ قَالَ فِي كِتَابه: " وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون " وَقد وقاك الله شح نَفسك. قَالَ الْمَأْمُون لمُحَمد بن عباد المهلبي: بَلغنِي عَنْك سرف فِي إعطائك، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ " منع مَا يُوجد سوء ظن بِاللَّه ". وَرُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله، أُتي بأسرى من بني العنبر، فَأمر بِقَتْلِهِم وأفرد مِنْهُم رجلا، فَقَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: الرب وَاحِد، وَالدّين وَاحِد، والذنب وَاحِد، فَمَا بَال هَذَا من بَينهم؟ فَقَالَ: " نزل عليّ جِبْرِيل فَقَالَ: اقْتُل هَؤُلَاءِ واترك هَذَا، فَإِن الله شكر لَهُ سخاءً فِيهِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>