للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَمَا كَانَ أَبُو الْحسن بن الْفُرَات فِي أَيَّامه الأولى يشرب فِي يَوْم ثلاثاء - وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي قُيض عَلَيْهِ فِي غده - وَيعْمل فِي خلال شربه، إِذْ مرّت بِهِ رقْعَة فِيهَا: إِن كَانَ مَا أَنْتُم فِيهِ يَدُوم لكم ... ظَنَنْت مَا أَنا فِيهِ دَائِما أبدا لَكِن سكنت إِلَى أَنِّي وأنكم ... سنستجدّ خلاف الْحَالَتَيْنِ غَدا فَكَأَنَّهُ اغتم بذلك، ثمَّ أَخذ فِي شَأْنه، وَقَالَ لجارية كَانَت فِي الْمجْلس كَانَ يألف غناءها، ويتفاءل بِمَا لَا تزَال تغنيه: غنّي، فابتدأت وغنت: أمنعيّة بالبين ليلى وَلم تمت ... كَأَنَّك عمّا قد أظلّك غافل ستعلم إِن جدّت بكم غُربة النَّوَى ... وَنَادَوْا بليلى أَن صبرك زائل فَكَأَنَّهُ تنغّص والتاث، ووافته بِدعَة الصَّغِيرَة، فَقَامَ إِلَى دَار لَهُ جَدِيدَة، ودعا بِالشرابِ، وَتَنَاول قدحاً، وَالْتمس من بِدعَة صَوتا فتطلّبت لَهُ صَوتا تتفاءل بِهِ بِسَبَب الدَّار الجديدة فغنت: أمرت لي منزلا لأسكنه ... فصرت عَنهُ المعبّد القاسي وَلم تحفظ الْبَيْت الثَّانِي، فَلَمَّا كَانَ من غَد حدثت عَلَيْهِ الْحَادِثَة. قَالَ إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي: لما حصر طَاهِر الْأمين فِي الْمَدِينَة كنت مَعَه، فدعاني لَيْلَة، فَقَالَ: مَا ترى طيب هَذِه اللَّيْلَة، وَحسن الْقَمَر، وضوءه فِي المَاء؟ فَقلت: إِنَّه لحسن، فَاشْرَبْ، فَشرب رطلا، وسقاني مثله، وابتدأت فغنيت بِمَا يشتهيه عليّ. فَقَالَ: هَل لَك فِيمَن يضْرب عَلَيْك؟ فَقلت: مَا أستغني عَن ذَلِك. فَدَعَا بِجَارِيَة مُتَقَدّمَة يُقَال لَهَا: ضعف فتطيرت من اسْمهَا: فَلَمَّا جَاءَت قَالَ: غنّي، فغنت: كُلَيْب لعمري كَانَ أَكثر ناصراًوأيسر ذَنبا مِنْك، ضُرّج بِالدَّمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>