للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَفعل، وأجلّهم ثَلَاثًا، فَقدم ابْن أبي عَتيق فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة، فحطّ رحاله بِبَاب سلاّمة الزَّرْقَاء، وَقَالَ لَهَا: بدأت بك قبل أَن أصير إِلَى منزلي. فَقَالَ: أَو مَا تَدْرِي مَا حدث؟ وأخبرته الْخَبَر. فَقَالَ: أقيمي إِلَى السحر حَتَّى أَلْقَاهُ. قَالَت: إِنِّي أَخَاف ألاّ نغني. قَالَ: إِنَّه لَا بَأْس عَلَيْك. ثمَّ مضى إِلَى عُثْمَان بن حيّان، فَاسْتَأْذن عَلَيْهِ وأعلمه أَن أجدّ مَا أقدمه حب التَّسْلِيم عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إِن أفضل مَا عملت تَحْرِيم الْغناء. فَقَالَ: إِن أهلك أشاروا عليّ بذلك. فَقَالَ: إِنَّك قد وُقّفت، وَلَكِنِّي رَسُول امْرَأَة إِلَيْك، تَقول: قد كَانَت هَذِه صناعتي، فتبت إِلَى الله مِنْهَا، وَأَنا أَسأَلك أَيهَا الْأَمِير أَن لَا تحول بَينهَا وَبَين مجاورة قبر النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام. فَقَالَ عُثْمَان: إِذا أدعها لَك. قَالَ: إِذن لَا يدعك النَّاس. وَلَكِن تَدْعُو بهَا فتنظر إِلَيْهَا، فَإِن كَانَت مِمَّن يُترك تركتهَا. قَالَ: فَادع بهَا. فَأمرهَا ابْن أبي عَتيق فتقشّفت وَأخذت بِيَدِهَا سبْحَة، وَصَارَت إِلَيْهِ، فَحَدَّثته عَن مآثر آبَائِهِ، ففكه لَهَا، فَقَالَ لَهَا ابْن أبي عَتيق: اقرئي للأمير، فَقَرَأت، فأُعجب بذلك. فَقَالَ لَهَا: احدى للأمير. فحّركه حُداؤها. فَقَالَ لَهُ ابْن أبي عَتيق: فَكيف لَو سَمعتهَا فِي صناعتها؟ فَقَالَ: قل لَهَا فَلْتَقُلْ، فَأمرهَا فغنت: سددن خصاص الخيم لما دخلنه ... بِكُل لبان وَاضح وجبين فَنزل عُثْمَان عَن سَرِيره حَتَّى جلس بَين يَديهَا، وَقَالَ: لَا وَالله، مَا مثلك يخرج عَن الْمَدِينَة. فَقَالَ ابْن أبي عَتيق: يَقُول النَّاس: أذن لِسَلَامَةِ فِي الْمقَام، وَمنع غَيرهَا. قَالَ عُثْمَان: قد اذنت لَهُم جَمِيعًا. وَقيل لِابْنِ أبي عَتيق لما خُصي المخنثون: إِن الدَّلال قد خُصي. فَقَالَ: إِنَّا لله، أما وَالله لَئِن فُعل ذَلِك بِهِ لقد كَانَ يحسن: لمن ربع بِذَات الجي ... ش أَمْسَى دارساً خلقا ثمَّ اسْتقْبل الْقبْلَة يُصلّي، فَلَمَّا كبّر سلّم ثمَّ الْتفت إِلَى أَصْحَابه وَقَالَ: اللَّهُمَّ كَانَ يُحسن خفيفه، فَأَما ثقيله فَلَا، الله أكبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>