للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا الْموضع مَاء، فأحفرني وَاشْترط عليّ أَنه أول شَارِب يَأْتِي السَّبِيل. قَالَ: فحضرته فِي جُمُعَة وَهُوَ يخْطب فَسَمعته يَقُول: أَيهَا النَّاس، إِنَّكُم ميتون، ثمَّ إِنَّكُم مبعوثون، ثمَّ إِنَّكُم محاسبون، فلعمري: لَئِن كُنْتُم صَادِقين لقصرتم، وَلَئِن كُنْتُم كاذبين لقد هلكتم، أَيهَا النَّاس، إِنَّه من يقدر لَهُ رزق بِرَأْس جبل أَو بحضيض أَرض يَأْته، فأجملوا فِي الطّلب. قَالَ: فأقمت عِنْده شهرا مَا بِي إِلَّا اسْتِمَاع كَلَامه. قيل: أُتِي الْوَلِيد بن عبد الْملك بِرَجُل من الْخَوَارِج، فَقَالَ لَهُ: أما تقولت فِي الْحجَّاج؟ قَالَ: مَا عَسَيْت أَن أَقُول فِي الْحجَّاج؟ وَهل الْحجَّاج إِلَّا خَطِيئَة من خطاياك؟ وشررة من نارك؟ فلعنك الله، وَلعن الْحجَّاج مَعَك. وَأَقْبل يشتمهما، فَالْتَفت الْوَلِيد إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز، فَقَالَ: مَا تَقول فِي هَذَا؟ قَالَ عمر: وَمَا أَقُول فِيهِ؟ هَذَا رجل يشتمكم، فإمَّا أَن تشتموه كَمَا شتمكم أَو تَعْفُو عَنهُ. فَغَضب الْوَلِيد وَقَالَ لعمر: مَا أَظُنك إِلَّا خارجياً. فَغَضب عمر وَقَالَ: مَا أَظُنك إِلَّا مَجْنُونا. وَقَامَ وَخرج مغضباً. ولحقه خَالِد بن الريان، فَقَالَ لَهُ: مَا دعَاك إِلَى مَا كلمت بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ وَالله لقد ضربت بيَدي إِلَى قَائِم سَيفي أنتظره مَتى يَأْمُرنِي بِضَرْب عُنُقك. فَقَالَ لَهُ عمر: وَكنت فَاعِلا لَو أَمرك! قَالَ: نعم. فَلَمَّا اسْتخْلف عمر جَاءَ خَالِد بن الريان، فَقَامَ على رَأسه كَمَا كَانَ يقوم على رَأس من كَانَ قبله من الْخُلَفَاء. قَالَ: وَكَانَ رجل من الْكتاب يضر وينفع بقلمه، فجَاء حَتَّى جلس مَجْلِسه الَّذِي كَانَ يجلس فِيهِ الْخُلَفَاء. قَالَ: فَنظر عمر إِلَى خَالِد بن الريان، وَقَالَ: يَا خَالِد ضع سَيْفك؛ فَإنَّك تطيعنا فِي كل أَمر نأمرك بِهِ، وضع أَنْت يَا هَذَا قلمك، فقد كنت تضر بِهِ وَتَنْفَع. ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي قد وضعتهما لَك فَلَا ترفعهما. قَالَ: فوَاللَّه مَا زَالا وضيعين مهينين بشر حَتَّى مَاتَا. وَقَالَ: مَا كلمني رجل من بني أَسد إِلَّا تمنيت لَهُ أَن يمد لَهُ فِي حجَّته، حَتَّى يكثر كَلَامه فأسمعه. وَلذَلِك قَالَ يُونُس: لَيْسَ فِي أَسد إِلَّا خطيب أَو شَاعِر أَو قائف أَو راجز أَو كَاهِن أَو فَارس.

<<  <  ج: ص:  >  >>