للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخطب النَّاس لما مَاتَ ابْنه عبد الْملك، فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي جعل الْمَوْت حتما وَاجِبا على عباده، فسوى فِيهِ بَين ضعيفهم وقويهم، ورفيعهم وَدينهمْ، فَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى: " كل نفس ذائقة الْمَوْت ". فَليعلم ذَوُو النهى مِنْهُم أَنهم صائرون إِلَى قُبُورهم، مقرون بأعمالهم، وَاعْلَمُوا أَن لله مَسْأَلَة فاحصة، قَالَ تبَارك وَتَعَالَى: " فوربك لنسئلنهم أَجْمَعِينَ. عَمَّا كَانُوا يعْملُونَ " وَقَالَ: إِذا اسْتَأْثر الله بِشَيْء فاله عَنهُ. وَقَالَ فِي خطْبَة لَهُ: أَيهَا النَّاس، إِنَّمَا الدُّنْيَا أمل مخترم، وَأجل منفض، وبلاغ إِلَى دَار غَيرهَا، وسير إِلَى الْمَوْت لَيْسَ فِيهِ تعريج. فرحم الله امْرَءًا فكر فِي أمره، ونصح نَفسه، وراقب ربه، واستقال ذَنبه. أَيهَا النَّاس، قد علمْتُم أَن أَبَاكُم أخرج من الْجنَّة بذنب وَاحِد، وَأَن ربكُم وعد على التَّوْبَة، فَلْيَكُن أحدكُم من ذَنبه على وَجل، وَمن ربه على أمل. وَقَالَ: لَا يتَزَوَّج من الموَالِي فِي الْعَرَب إِلَّا الأشر البطر، وَلَا يتَزَوَّج من الْعَرَب فِي الموَالِي إِلَّا الطمع الطَّبْع. ألأا وَقَالَ لِابْنِهِ عبد الله: يَا بني، التمس الرّفْعَة بالتواضع، والشرف بِالدّينِ، وَالْعَفو من الله بِالْعَفو عَن النَّاس، وَلَا تحقرن أحدا؛ فَإنَّك لَا تَدْرِي لَعَلَّ بعض من تزدريه عَيْنك أقرب إِلَى الله مِنْك وَسِيلَة، وَلَا تنس نصيبك من الدُّنْيَا، وَلَا تنس نصيب النَّاس مِنْك. وَكتب إِلَيْهِ عدي بن أَرْطَأَة لما حفر نهر عدي بِالْبَصْرَةِ: إِنِّي حفرت لأهل الْبَصْرَة نَهرا، أعذبت بِهِ مشربهم، وجادت عَلَيْهِ أَمْوَالهم، فَلم أر لَهُم على ذَلِك شكرا، فَإِن أَذِنت لي قسمت عَلَيْهِم مَا أنفقته عَلَيْهِ. فَكتب إِلَيْهِ عمر: إِنِّي لَا أَحسب أهل الْبَصْرَة عِنْد حفرك لَهُم هَذَا النَّهر خلوا من رجل قَالَ: الْحَمد لله. وَقد رَضِي الله بهَا شكرا من جنته، فارض بهَا شكرا من نهرك. وخطب بِعَرَفَات فَقَالَ: إِنَّكُم قد أنضيتم الظّهْر وأرملتم؛ وَلَيْسَ السَّابِق الْيَوْم من سبق بعيره وَلَا فرسه، وَلَكِن السَّابِق الْيَوْم من غفر لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>