لما عرف أهل النَّقْص حَالهم عِنْد أهل الْكَمَال استعانوا بِالْكبرِ ليعظم صَغِيرا، وَيرْفَع حَقِيرًا وَلَيْسَ بفاعل. إِن الله يمْتَحن بالإنعام عَلَيْك، فأفد من فَائِدَته، واستمد فضلك من فَضله. بكرم الله نبلغ الْكَرم، وَمن نعمه حمد الْمُنعم، وَهُوَ المتغمد للذنوب فِي عَفوه، والناشر على الْخَطَّائِينَ جنَاح ستره، الكاشف الضّر بِيَدِهِ الَّتِي بِالْعَدْلِ عَاقَبت، والمجيب للدُّعَاء برحمته الَّتِي بالتوفيق أنطقت، والجواد بِمَا كَانَ فِي قدرته، والمنعم قبل الِاسْتِحْقَاق لنعمته، كم سَيِّئَة قد أخفاها حلمه حَتَّى دخلت فِي عَفوه، وحسنة ضاعفها فَضله حَتَّى عظمت عَلَيْهَا مجازاته. إِنَّمَا يعرف الْيَقِين بِاللَّه من التَّقْوَى. النَّاس وَفد البلى، وسكان الثري، وَرهن المنايا. أنفاس الْحَيّ خطاه إِلَى أَجله، وأمله خَادع لَهُ عَن عمله، وَالدُّنْيَا أكذب واعديه، وَالنَّفس أقرب أعاديه، وَالْمَوْت ناظرٌ إِلَيْهِ وينتظر فِيهِ أمرا لَا يعييه. على قدر إخلاصك الشُّكْر تزيد عنْدك النعم، ويسرع إِلَيْك المرجو. إِن أَمر الله وَنَهْيه مَا وَقعا إِلَّا على خير فِي الدُّنْيَا قبل الْآخِرَة ندب إِلَيْهِ، أَو شَرّ فِي الدُّنْيَا قبل الْآخِرَة حذر مِنْهُ، ثمَّ وعد بالثواب على طاعتهم لَهُ، فِيمَا فِيهِ صَلَاح أَحْوَالهم تفضلاً مِنْهُ وامتناناً، وَلَو كَانَ الله تبَارك وَتَعَالَى لم ينزل كتابا وَلم يُرْسل رَسُولا، ثمَّ أجمع أهل الأَرْض على اخْتِيَار الْأُمُور تصلحهم، وتشد نظامهم، وتنفي مَكْرُوه العواقب عَنْهُم، وَتجمع الْكَلِمَة، وتديم الألفة، ليَكُون آيَة لأفعالهم لَا يخالفونها، وَلَا يستبدلون بهَا، لم يكنك إِلَّا أَمر الله وَرُسُله، وَلَو أَجمعُوا على الاجتناب لأمور تَدْعُو إِلَى الْفرْقَة، وترشح أَطْفَال الضغائن، وتدب عقارب الشَّرّ، وتسفك الدِّمَاء، وتشظي الْعَصَا، وتنقض الْحَبل، وتشتت الشمل، لم يكن إِلَّا نهي الله عَنهُ وَرُسُله. لَا يزَال الإخوان يسافرون فِي الْمَوَدَّة حَتَّى يبلغُوا الثِّقَة، فتطمئن الدَّار، وَتقبل وُفُود التناصح، وتؤمن خبايا الضمائر، وتلقى ملابس التخلق، وتخل عقد التحفظ. لَوْلَا الْخَطَايَا أشرق نور الْفُؤَاد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute