للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هِيَ الدُّنْيَا تعير وتستعير، وَمن لم يصبر اخْتِيَارا صَبر اضطراراً. الْعَاقِل لَا يسْتَقْبل النِّعْمَة ببطر، وَلَا يودعها بجزع. الدُّنْيَا تطرق بطرقة نقمة، وتنبه برائع نجعه، وتجرع ثكلها كأساً مرّة، تقتل مُعْتَرضَة، وتعترض مُتَنَكِّرَة، وتقفي بِالرّضَاعِ، وتنشئ الْعِظَام، وتلدح الْأَعْمَار، وتنشر الآمال، وتفيد لتكيد، وتسر لتغر، وَبِهَذَا الْخلق عرفت، وعَلى هَذَا الشَّرْط صوحبت. الْأُمُور وَإِن كَانَت مقدرَة فَمن تَقْدِير الله فِي أَكثر مَا جربنَا أَن يكون الْمُحْتَال أقرب إِلَى المأمول، وَأبْعد من الْمَحْذُور، من المفرط فِي الْأُمُور، المستسلم للخطوب، الْمُؤخر لاستعمال الحزم. إِن الله يَبْتَدِئ بمواهب الدُّنْيَا، فَإِذا استرجعها كَانَت مواهب الْآخِرَة. من عظمت النِّعْمَة عَلَيْهِ كثرت الرَّغْبَة إِلَيْهِ، فاستجلب بالإنعام مِنْك إنعام الله عَلَيْك، واستزد بِمَا تهب مَا يهب لَك، وَعجل إِن نَوَيْت جوداً، وتأن إِن أردْت تمنعاً، وَلَا تكن مِمَّن ولَايَته مواعيد، وَصَرفه اعتذار. الْعقل كشجرة أَصْلهَا غزيرة، وفرعها تجربة، وثمرتها حمد الْعَاقِبَة، وَمَا أبين وُجُوه الْخَيْر وَالشَّر فِي مرْآة الْعقل إِن لم يصدئها الْهوى. مَا ذل قوم حَتَّى ضعفوا، وَمَا ضعفوا حَتَّى تفَرقُوا، وَمَا تفَرقُوا حَتَّى اخْتلفُوا، وَمَا اخْتلفُوا حَتَّى تباغضوا، وَمَا تباغضوا حَتَّى تَحَاسَدُوا، وَمَا تَحَاسَدُوا حَتَّى اسْتَأْثر بَعضهم على بعض. تنَاول الفرصة الممكنة، وَلَا تنْتَظر غَدا، وَمن لغد من حَادث بكفيل؟ مَا أقل من يحمده المطالب، ويستقل بِهِ العاثر، ويرضي عَنهُ السَّائِل وَمَا زَالَت أم الْكَرم نزوراً، وَأم اللؤم ولوداً. وَأكْثر الواجدين من لَا يجود، وَأكْثر الأجاود من لَا يجد. وَمَا كل من يورق بوعد يُثمر بإنجاز. وَلَا بُد لمن افْتَقَرت حَيَاته إِلَى الْمَادَّة، وعهد بَقَاؤُهُ إِلَى الْمطعم وَالْمشْرَب من يضْطَر إِلَى السَّعْي، ويحفز إِلَى الطّلب، فينجح مرّة،

<<  <  ج: ص:  >  >>