للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِن الدَّاخِل بَين قُرَيْش لحائنٌ نَفسه. كتب عَمْرو بن سعيدٍ إِلَى عبد الْملك: اسْتِدْرَاج النعم إياك أفادك الْبَغي، ورائحة الْقُدْرَة أورثتك الْغَفْلَة، فزجزت عَمَّا واقعت مثله، وندبت إِلَى مَا تركت سبله، وَلَو كَانَ ضعف الْأَسْبَاب يوئس الطَّالِب مَا انْتقل سلطانٌ وَلَا ذل عزيزٌ؛ وَعَن قريبٍ يتَبَيَّن من صريع بغى، وأسير غفلةٍ، وَالرحم تعطف على الْإِبْقَاء عَلَيْك، مَعَ أخذك مَا غَيْرك أقوم بِهِ مِنْك. وَقَالَ سعيد بن الْعَاصِ: قبح الله الْمَعْرُوف إِذا لم يكن ابْتِدَاء من غير مسألةٍ، فَأَما إِذا أَتَاك ترى دَمه فِي وَجهه، مخاطراً لَا يدْرِي أتعطيه أم لَا، وَقد بَات ليلته يتململ على فرَاشه، يُعَاقب بَين شقيه؛ مرّة هَكَذَا، وَمرَّة هَكَذَا؛ من لِحَاجَتِهِ، فخطرت بِبَالِهِ أَنا وغيري، فميل أرجاهم فِي نَفسه، وأقربهم من حَاجته، ثمَّ عزم عَليّ وَترك غَيْرِي، فَلَو خرجت لَهُ مِمَّا أملك لم أكافه، وَهُوَ عَليّ أَمن مني عَلَيْهِ. قَالُوا: لما ولى عبد الْعَزِيز بن الْوَلِيد بن عبد الْملك دمشق، وَلم يكن فِي بني أُميَّة ألب مِنْهُ فِي حَدَاثَة سنه، قَالَ أهل دمشق: هَذَا غُلَام شابٌ، وَلَا علم لَهُ بالأمور، وسيسمع منا؛ فَقَامَ إِلَيْهِ رجلٌ فَقَالَ: أصلح الله الْأَمِير، عِنْدِي نصيحةٌ. قَالَ لَهُ: لَيْت شعري مَا هَذِه النَّصِيحَة الَّتِي ابتدأتني بهَا، من غير يدٍ سبقت مني إِلَيْك؟ قَالَ: جارٌ لي عَاص متخلفٌ عَن ثغر. فَقَالَ لَهُ: مَا اتَّقَيْت الله، وَلَا أكرمت أميرك؛ وَلَا حفظت جوارك. إِن شِئْت نَظرنَا فِيمَا تَقول، فَإِن كنت صَادِقا لم ينفعك ذَلِك عندنَا، وَإِن كنت كَاذِبًا عاقبناك، وَإِن شِئْت أقلناك. قَالَ: أَقلنِي. قَالَ: اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت لَا صحبك الله. إِنِّي أَرَاك شَرّ جيلٍ رجلا. ثمَّ قَالَ: يَا أهل دمشق؛ أما أعظمتم مَا جَاءَ بِهِ الْفَاسِق؟ إِن السّعَايَة أَحسب مِنْهُ سجية، وَلَوْلَا أَنه لَا يَنْبَغِي للوالي أَن يُعَاقب قبل أَن يُعَاتب كَانَ لي فِي ذَلِك رأيٌ، فَلَا يأتيني أحدٌ مِنْكُم بسعايةٍ على أحدٍ بِشَيْء، فَإِن الصَّادِق فِيهَا فاسقٌ، والكاذب فِيهَا بهاتٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>