للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ مُصعب بن عبد الله، قَالَ لي أبي: يَا بني من اسْتغنى عَن النَّاس احتاجوا إِلَيْهِ؛ فَأصْلح مَالك، وَأَقل من مجالسة النَّاس، فَإِنِّي قد رَأَيْت رجَالًا يقتبس مِنْهُم، وَلَا جاه يدْفَعُونَ بِهِ عَنْهُم، وَلَا جود يفضلون بِهِ عَلَيْهِم. استغنوا بِأَمْوَالِهِمْ، وجلسوا؛ فَأَتَاهُم النَّاس. بلغ عُرْوَة أَن ابْنه عبد الله يَقُول الشّعْر، فَدَعَا بِهِ يَوْمًا. فَقَالَ: أَنْشدني، فأنشده؛ فَقَالَ: إِن الْعَرَب تسمى النَّاقِص. النَّاقِص: الَّذِي يمشي على ثَلَاث قَوَائِم الهزروف، فشعرك هَذَا هُوَ الهزروف. لما قطعت رجل عُرْوَة، وَمَات ابْنه حمد الله. وَنظر إِلَى رجله، ثمَّ قَالَ: أما وَالله إِنِّي لأرجو أَلا أكون مشيت بهَا مَعْصِيّة لله قطّ. أيمنك لَئِن كنت أخذت لقد أَعْطَيْت، كَانَ لي أَربع جوارح فَأخذت وَاحِدًا وَتركت ثَلَاثًا؛ وَكَانَ لي أَرْبَعَة بَنِينَ، فَأخذت وَاحِدًا وَتركت ثَلَاثَة. قَالُوا: كَانَ عبد الله بن الزبير يسْجد لَيْلَة، ويركع لَيْلَة، وَيَقُول لَيْلَة. روى الزبير بن بكار عَن عَمه مُصعب، قَالَ: لما صَار عليٌّ - رَضِي الله عَنهُ - بِالْقربِ من الْبَصْرَة بعث ابْن عَبَّاس، فَقَالَ: إيت الزبير فاقرأ عَلَيْهِ السَّلَام، وَقل لَهُ: يَا أَبَا عبد الله؛ كَيفَ عرفتنا بِالْمَدِينَةِ وأنكرتنا بِالْبَصْرَةِ؟ . فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أَفلا آتِي طَلْحَة؟ قَالَ: إِذا تَجدهُ كالثور عاقصاً قرنه فِي الْحزن يَقُول هَذَا سهل. قَالَ: فَأتيت الزبير، فَوَجَدته فِي بيتٍ حارٍّ يتروح، وَعبد الله بن الزبير فِي الْحُجْرَة. فَقَالَ: مرْحَبًا بك يَا بن لبَابَة، أجئت زَائِرًا أم سفيراً؟ قلت: كلا. أَحْبَبْت إِحْدَاث الْعَهْد بك، وَابْن خَالك يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام وَيَقُول لَك: عرفتنا بِالْمَدِينَةِ، وأنكرتنا بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ: علقتهم، إِنِّي خلقت عصبَة ... قَتَادَة تعلّقت بنشبه فَلَنْ أدعهم حَتَّى ألف بَينهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>