غَضْبَان، وَمَتى لم أميز بَين هَاتين هَلَكت. وَلم أقل هَذَا جهلا بِمَالي فِي الْمجْلس من الْفَائِدَة؛ فأختار الْعَافِيَة على التَّعَرُّض للبلية. قَالَ أَبُو العيناء، قَالَ لي المتَوَكل يَوْمًا: بَلغنِي أَنَّك رَافِضِي. فَقلت: ألدينٍ أم لدُنْيَا؟ فَإِن أك للدّين ترفضت فأبوك مستنزل الْغَيْث، وَإِن أك للدنيا فَفِي يَديك خَزَائِن الأَرْض. وَكَيف أكون رَافِضِيًّا، وَأَنا مَوْلَاك، ومولدي الْبَصْرَة، وأستاذي الْأَصْمَعِي، وجيراني باهلة؟ فَقَالَ: إِن ابْن سَعْدَان زعم ذَلِك. قلت: وَمن ابْن سَعْدَان؟ وَالله مَا يفرق بَين الإِمَام وَالْمَأْمُوم، وَالتَّابِع والمتبوع؛ إِنَّمَا ذَاك حَامِل درة، ومعلم صبية، وآخذٌ على كتاب الله أُجْرَة. قَالَ: لَا تقل؛ فَإِنَّهُ مؤدب الْمُؤَيد. قَالَ: قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: لم يؤدبه حسبَة، إِنَّمَا أدبه بِأُجْرَة، فَإِذا أَعْطيته حَقه فقد قضيت ذمامه. عزى أَبُو العيناء ابْن الرِّضَا رَضِي الله عَنْهُمَا عَن ابْنه؛ فَقَالَ لَهُ: أَنْت تجل عَن وصيتنا، وَنحن نقل عَن عظتك. وَفِي علم الله مَا كَفاك، وَفِي ثَوَاب الله مَا عزاك. وَكتب إِلَى عبيد الله بن سُلَيْمَان: أَنا وَوَلَدي وعيالي زرعٌ من زرعك؛ إِن سقيته رَاع وزكا، وَإِن جفوته ذبل وذوى. وَقد مسني مِنْك جفاءٌ بعد بر، وإغفالٌ بعد تعهد، حَتَّى شمت عدوٌّ، وَتكلم حَاسِد، ولعبت بِي ظنون رجال وشديدٌ عادةٌ منتزعة وَعَزاهُ عَن أَبِيه، فَقَالَ: عقم وَالله الْبَيَان، وخرست الأقلام، ووهى النظام. وَكتب إِلَى عِيسَى بن فرخانشاه: أَنا أَحْمد الله على مَا تأتت إِلَيْهِ أحوالك، وَلَئِن كَانَت أَخْطَأت فِيك النِّعْمَة، لقد أَصَابَت فِيك النقمَة، وَلَئِن أبدت الْأَيَّام مقابحها بالإقبال عَلَيْك، لقد أظهرت محاسنها بالانصراف عَنْك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute