وَكتب إِلَى صديق لَهُ تولى نَاحيَة: أما بعد؛ فَإِنِّي لَا أعظك بموعظة الله؛ لِأَنَّك غنيٌّ عَنْهَا، وَلَا أرغبك فِي الْآخِرَة؛ لمعرفتي بزهدك فِيهَا. وَلَكِنِّي أَقُول كَمَا قَالَ الشَّاعِر: أحاربن عمرٍ قد وليت ولَايَة ... فَكُن جرذاً فِيهَا تخون وتسرق وكاثر تميماً بالغنى، إِن للغنى ... لِسَانا بِهِ الْمَرْء الهيوبة ينْطق وَاعْلَم أَن الْخِيَانَة فطنة، وَالْأَمَانَة خرق، وَالْجمع كيسٌ، وَالْمَنْع صرامة، وَلَيْسَت كل يَوْم ولايةٌ، فاذكر أَيَّام العطلة، وَلَا تحقرن صَغِيرا، فَمن الذود إِلَى الذود إبل، وَالْولَايَة رقدةٌ، فَتنبه، قبل أَن تنبه وأخو السُّلْطَان أعمى، عَن قَلِيل سَوف يبصر. وَمَا هَذِه الْوَصِيَّة الَّتِي أوصى بهَا يَعْقُوب بنيه، وَلَكِنِّي رَأَيْت الحزم أَخذ العاجل، وَترك الآجل. وَكتب إِلَى عِيسَى بن فرخانشاه: أَصبَحت مِنْك بَين أَمريْن عجيبين؛ إِن غبت عَنَّا - وَلَا يغيبنك الله - لزمنا الْخَوْف، واستخف بِنَا النَّاس، ولاحظونا بالوعيد، وسدوا علينا أَبْوَاب الْمَنَافِع؛ فَإِذا ظَهرت ففقرٌ حَاضر، وأمل كاذبٌ، وحرمانٌ شَامِل، كنت أَسأَلك كَذَا فاستكثرته، وَمَا ظننتك تستكثر. هَذَا الْوَلِيّ مُؤَمل بِي إِلَيْك، فَكيف لولدك الَّذِي غذى بعمتك وَتخرج فِي دواوينك، فوَاللَّه مَا كَانَ أملٌ سواك، وَلَا خطر من مكاره الدُّنْيَا شيءٌ فأخطرتك بقلبي إِلَّا هان وخف عِنْدِي. وَكتب إِلَى بَعضهم: نَحن أعز الله الْأَمِير إِذا سَأَلنَا النَّاس كف الْأَذَى سألناك بذل الندى، وَإِذا سألناهم الْعدْل، سألناك الْفضل، وَإِذا سررناهم بسط الْعذر سررناك باستدعاءٍ الْبر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute