للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ بَعضهم: ستر مَا عاينته أحسن من إِشَاعَة مَا ظننته. قيل لجميل بن مرّة: مذ كم هجرت النَّاس قَالَ: مذ خمسين سنة. قيل لَهُ: لم ذَاك؟ قَالَ: صحبتهم أَرْبَعِينَ سنة، فَلم أر فيهم غافراً لزلة وَلَا راحماً لعبرة، وَلَا مقيلاً لعثرة، وَلَا ساتراً لعورة، وَلَا حَافِظًا لخلة، وَلَا صَادِقا فِي مَوَدَّة، وَلَا رَاعيا لزمام حُرْمَة، وَلَا صَادِقا فِي خَبره، وَلَا عادلاً فِي حُكُومَة؛ فَرَأَيْت الشّغل بهم حمقاً، والانقطاع عَنْهُم رشدا. كَانَ بَعضهم يَقُول: اللَّهُمَّ احفظني من أصدقائي. فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: إِنِّي حَافظ نَفسِي من أعدائي. قَالَ آخر: إساءة المحسن أَن يمنعك جدواه، وإحسان الْمُسِيء أَن يكف عَنْك أَذَاهُ. قيل لعبد الله بن الْمُبَارك: مَا التَّوَاضُع؟ قَالَ: التكبر على المتكبرين. قيل: من لَا ينفذ تدبيرك عَلَيْهِ فِي إذلاله، فتوفر على توخي إجلاله. قَالَ الشَّافِعِي: مَا رفعت أحدا فَوق مَنْزِلَته إِلَّا حط مني بِقدر مَا رفعت مِنْهُ. قَالَ الْمسيب بن وَاضح: صَحِبت ابْن الْمُبَارك مقدمه من الْحَج فَقَالَ لي: يَا مسيب، مَا أَتَى فَسَاد الْعَامَّة إِلَّا من قبل الْخَاصَّة. قلت: وَكَيف ذَاك رَحِمك الله؟ قَالَ: لِأَن أمة مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام على طَبَقَات خمس: فالطبقة الأولى هم الزهاد، وَالثَّانيَِة الْعلمَاء، وَالثَّالِثَة الْغُزَاة، وَالرَّابِعَة التُّجَّار وَالْخَامِسَة الْوُلَاة. فَأَما الزهاد فهم مُلُوك هَذِه الْأمة، وَأما الْعلمَاء فهم وَرَثَة الْأَنْبِيَاء، وَأما الْغُزَاة فهم أسياف الله عز وَجل، وَأما التُّجَّار فهم الْأُمَنَاء، وَأما الْوُلَاة فهم الرُّعَاة. فَإِذا كَانَ الزَّاهِد طامعاً فالتائب بِمن يَقْتَدِي؟ وَإِذا كَانَ الْعَالم رَاغِبًا فالجاهل بِمن يَهْتَدِي؟ وَإِذا كَانَ الْغَازِي مرائياً فَمَتَى يظفر بالعدو؟ وَإِذا كَانَ التَّاجِر خائناً فعلام يؤتمن الخونة! وَإِذا كَانَ الرَّاعِي ذئباً فالشاة من يحفظها؟ قَالَ الْحُكَمَاء: خَمْسَة لَا تتمّ إِلَّا لقرنائها ٤١٥: الْجمال لَا يتم إِلَّا بالحلى، والحسب لَا يتم إِلَّا بالأدب، والغنى لَا يتم إِلَّا بالجود، والبطش لَا يتم إِلَّا بالجرأة، وَالِاجْتِهَاد لَا يتم إِلَّا بالتوفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>