من سَعَادَة جد الْمَرْء أَلا يكون فِي الزَّمَان الْمُخْتَلط مُدبرا للسُّلْطَان. من سَكَرَات السُّلْطَان أَن يرضى عَمَّن اسْتوْجبَ السخط، ويسخط على من اسْتوْجبَ الرِّضَا من غير سَبَب مَعْلُوم. بلغ بعض الْمُلُوك حسن سياسة ملك فَكتب إِلَيْهِ: قد بلغت من حسن السياسة مبلغا لم يبلغهُ ملك فِي زَمَانك، فأفدني الَّذِي بلغكه. فَكتب إِلَيْهِ: " لم أهزل فِي أَمر وَلَا نهي، وَلَا وعد وَلَا وَعِيد، واستكفيت أهل الْكِفَايَة، وَأثبت على الْغناء لَا على الْهوى، وأودعت الْقُلُوب هَيْبَة لم يشبها مقت، ووداً لم يشبه كذب، وعممت بالقوت ومنعت الفضول ". أَمْرَانِ جليلان لَا يصلح أَحدهمَا إِلَّا بالتفرد بِهِ، وَلَا يصلح الآخر إِلَّا بالتعاون عَلَيْهِ: وهما الْملك والرأى؛ فَإِن استقام الْملك بالشركاء استقام الرَّأْي بالتفرد بِهِ. لَا شَيْء أهلك للسُّلْطَان من صَاحب يحسن القَوْل وَلَا يحسن الْعَمَل. اصحب السُّلْطَان بإعمال الحذر، ورفض الدَّالَّة، وَالِاجْتِهَاد فِي النصح واصحبه بِثَلَاث: بِالرِّضَا وَالصَّبْر والصدق. اعْلَم أَن لكل شَيْء حدا، فَمَا جاوزه كَانَ سَرفًا، وَمَا قصر عَنهُ كَانَ عَجزا. فَلَا تبلغ بك نصيحة السُّلْطَان أَن تعادي حَاشِيَته من أَهله وخاصته؛ فَإِن ذَلِك لَيْسَ من حَقه عَلَيْك. وَلَكِن أقضى لحقه عَنْك، وأدعى للسلامة إِلَيْك أَن تستصلح أُولَئِكَ جهدك، فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك شكرت نعْمَته، وَأمنت حجَّته، وفللت عَدوك عِنْده. إِذا جاريت عِنْد السُّلْطَان كفئاً من أكفائك فلتكن مجاراتك إِيَّاه بِالْحجَّةِ، وَإِن عضهك، وبالرفق وَإِن خرق بك؛ وَاحْذَرْ أَن يستلجك فتحمى، فَإِن الْغَضَب يعمي عَن الفرصة، وَيقطع عَن الْحجَّة، وَيظْهر عَلَيْك الْخصم. احترس أَن يعرفك السُّلْطَان بِاثْنَيْنِ: بِكَثْرَة الإطراء للنَّاس عِنْده، وبكثرة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute