كَافِيا محتاطاً، وَمن وَرَائِهَا ذاباً ناصراً، يعنيه من صَلَاحهَا مَا لَا يعنيه من صَلَاح نَفسه دونهَا. مثل الْملك الصَّالح إِذا كَانَ وزيره فَاسِدا مثل المَاء الصافي العذب الَّذِي فِيهِ التماسيح؛ لَا يَسْتَطِيع الْإِنْسَان وَإِن كَانَ سابحاً، وَإِلَى المَاء ظامئاً، دُخُوله حذرا على نَفسه. لَا يَنْبَغِي للوالي أَن يسْرع إِلَى حبس من يَكْتَفِي لَهُ بالجفاء والوعيد. يَنْبَغِي للوالي أَن يكون عَالما بِأُمُور عماله فَإِن الْمُسِيء يخَاف خبرته قبل أَن تنزل بِهِ عُقُوبَته، والمحسن يستبشر بِعَمَلِهِ قبل أَن يَأْتِيهِ معروفه. يَنْبَغِي للوالي أَن تعرفه رَعيته بالأناة، وَألا يعجل بالعقاب وَلَا بالثواب؛ فَإِن ذَلِك أدوم لخوف الْخَائِف، ورجاء الراجي. يَنْبَغِي للوالي أَن تعلم رَعيته أَنه لَا يصاب خَيره إِلَّا بالمعونة لَهُ على الْخَيْر، فَإِن النَّاس إِذا علمُوا ذَلِك تصنعوا، والمتصنع لَا يلبث أَن يلْحق بِأَهْل الْفضل. من طلب مَا عِنْد السُّلْطَان وَالنِّسَاء بالشدة بعد عَنهُ مَا يطْلب، وَفَاته مَا يلْتَمس. وَدخل مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ على عمر بن عبد الْعَزِيز حِين اسْتخْلف فَقَالَ لَهُ: إِنِّي مستعين بك على عَمَلي. قَالَ: لَا. وَلَكِنِّي سأرشدك: أسْرع الِاسْتِمَاع، وأبطئ فِي التَّصْدِيق، حَتَّى يَأْتِيك وَاضح الْبُرْهَان، وَلَا تعملن سجنك فِيمَا يكْتَفى بِهِ بلسانك، وَلَا تعملن سَوْطك فِيمَا يكْتَفى فِيهِ بسجنك وَلَا تعملن سَيْفك فِيمَا يكْتَفى فِيهِ بسوطك. كَانَ بَعضهم يُوصي عماله فَيَقُول: سوسوا النَّاس بالمعدلة، واحملوهم على النصفة، واحذروا أَن تلبسونا جُلُودهمْ، أَو تطعمونا لحومهم، أَو تسقونا دِمَاءَهُمْ. بِالْولَايَةِ يعرف الرجل الحازم. إِذا أردْت أَن يقبل الْوَالِي مشورتك فَلَا تشبه بِشَيْء من الْهوى؛ فَإِن الرَّأْي يقبل، والهوى يرد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute