لَا يخطرن للْملك أَنه إِن اسْتَشَارَ الْملك الرِّجَال ظَهرت مِنْهُ الْحَاجة ٤٤١ إِلَى رَأْي غَيره؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ يُرِيد الرَّأْي للافتخار بِهِ، وَإِنَّمَا يُرِيد للِانْتِفَاع بِهِ. قَالَ حُذَيْفَة: إيَّاكُمْ ومواقف الْفِتَن، فَإِن أَبْوَاب الْأُمَرَاء، يدْخل الدَّاخِل على الْأَمِير فَيَقُول لَهُ الْبَاطِل ليرضيه. قَالَ ابْن المقفع: لتكن حَاجَتك فِي الْولَايَة ثَلَاث خِصَال: رضَا رَبك ورضا سلطانك، ورضا صَالح من تلِي عَلَيْهِ. وَلَا عَلَيْك أَن تلهو عَن المَال وَالذكر. فسيأتيك مِنْهُمَا مَا تكتفي بِهِ. إِن ابْتليت بِصُحْبَة وَال لَا يُرِيد صَلَاح رَعيته فَاعْلَم أَنَّك خيرت بَين خلتين لَيْسَ فيهمَا خِيَار، إِمَّا الْميل على الرّعية فَهُوَ هَلَاك الدّين، وَإِمَّا الْميل على الْوَالِي مَعَ الرّعية فَهُوَ هَلَاك الدُّنْيَا. تبصر مَا فِي الدُّنْيَا من الْأَخْلَاق الَّتِي تحب أَو تكره، ثمَّ لَا تكابره بالتحويل لَهُ عَمَّا يحب وَيكرهُ؛ فَإِن هَذِه رياضة صعبة تحمل على الإباء والقلى. قَلما يقدر على نقل رجل عَن طَرِيقَته الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا بالمكابرة، وَلَكِن تقدر أَن تعينه على أحسن مذاهبه؛ فَإنَّك إِذا قويت لَهُ المحاسن كَانَت هِيَ الَّتِي تبصره الْمسَاوِي بألطف من تبصيرك فِي نَفسه. إِن كَانَ سلطانك على جدة دولة فَرَأَيْت أمرا استقام بِغَيْر رَأْي، وَعَملا استتب بِغَيْر حزم، وأعواناً أجيزوا بِغَيْر نيل، فَلَا يغرنك ذَلِك وَلَا تستنيمن إِلَيْهِ؛ فَإِن الْأُمُور تصير إِلَى حقائقها وأصولها. وَمَا بني مِنْهَا على غير أصل وثيق، ودعائم محكمَة، أوشك أَن يتداعى وينصدع. لَا تَطْلُبن من قبل السُّلْطَان بِالْمَسْأَلَة، وَلَكِن اطلبه بِالِاسْتِحْقَاقِ، واستأن بِهِ وَلَا تستبطئه، فَإنَّك إِذا استحققت مَا عِنْده أَتَاك عَن غير طلب، وَإِن لم تستبطئه كَانَ أعجل لَهُ. اعْلَم أَن السُّلْطَان إِذا انْقَطع عَنهُ الآخر نسي الأول، وَأَن أرحامه مَقْطُوعَة، وحباله مصرومة إِلَّا عَمَّن رَضِي عَنهُ. إياك أَن يَقع فِي قَلْبك التعنت على الْوَالِي، والاستزادة لَهُ؛ فَإِن ذَلِك إِذا وَقع
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute