فَقَالَ مُعَاوِيَة، يَا أحنفُ لقد أغضيتَ العينَ عَن القذى، وقُلت بِغَيْر مَا نرى، وأيْم الله لتصعدنَّ الْمِنْبَر، فلتلعننه طَائِعا أَو كَارِهًا. قَالَ الْأَحْنَف: إِن تُعفني فَهُوَ خيرٌ، وَإِن تجبرني على ذَلِك، فو الله لَا تجْرِي بِهِ شفتاي. قَالَ: قُم، فاصعد. قَالَ: أمَا وَالله لأُنصفنك فِي القَوْل وَالْفِعْل. قَالَ مُعَاوِيَة وَمَا أَنْت قائلٌ إِن أنصفتني؟ قَالَ: أصعد فَأَحْمَد الله بِمَا هُوَ أهلُه، وأصلي على نبيه. ثمَّ أقولُ: أيُّها النَّاس. إِن مُعَاوِيَة أمَرني أَن ألعن عليا. أَلا وَإِن عليا وَمُعَاوِيَة اخْتلفَا واقتتلا، وَادّعى كلُّ وَاحِد مِنْهُمَا أَنه مَبْغِيٌّ عَلَيْهِ، وعَلى فئته، فَإِذا دعوتُ فأمِّنوا - يَرْحَمكُمْ الله. ثمَّ أقولُ: اللَّهُمَّ ألعن أَنْت وملائكتُك، وأنبياؤُك، ورسلك، وَجَمِيع خلقك الْبَاغِي مِنْهُمَا على صَاحبه، والعن الفئة الباغية على الفئة المبغى عَلَيْهَا. آمين رب الْعَالمين. فَقَالَ مُعَاوِيَة: إِذن نُعفيك يَا أَبَا بَحر. وَقَالَ لَهُ رجل: بِمَ سُدْتَ؟ قَالَ: بَتْركي من أَمرك مَا لَا يعنيني، كَمَا عناك من أَمْرِي مَا لَا يَعْنِيك. وَقَالَ: من حقِّ الصّديق أَن تُحتمل لَهُ ثلاثٌ: ظلم الْغَضَب، وظلم الدَّالَّة، وظلم الهفوة. خطب مُعَاوِيَة مرّة، فَقَالَ: إِن الله يَقُول فِي كِتَابه: وَإِن مِّن شَيء إِلَّا عندنَا خزائنهُ فعلامَ تَلُومُونَنِي إِذا قصرتُ فِي أعطياتكم؟ فَقَالَ الأحنفُ: فَجَعَلته أَنْت فِي خزائنك، وحُلْت بَيْننَا وَبَينه وَلم تُنزله إِلَّا بِقدر مَعْلُوم. قَالَ: فَكَأَنَّمَا ألُقمه حَجَراً. وَقَالَ: مَا نَازَعَنِي أحد قطُّ إِلَّا أخذتُ عَلَيْهِ بأُمور ثَلَاثَة: إِن كَانَ فَوقِي عرفتُ لَهُ قدرهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute