(من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) ثم إني رأيت من أكلها الضرر في بدني فتركت أكلها، فقد ذكر العلماء رحمهم الله أن القات من أشهر المحرمات، فمن ضررها أن آكلها يرتاح وتطيب نفسه ويذهب حزنه، ثم يعتريه قدر ساعتين من أكله هموم متراكمة، وهموم متزاحمة وسوء أخلاق، وكنت في هذه الحالة إذا قرأ عليّ أحد يشق عليّ مراجعته، وأرى مراجعته جبلاً، وأرى لذلك مشقة عظيمة ومللاً، وأنه يذهب بشهوة الطعام ولذته، ويطرد النوم ونعمته. ومن ضرره في البدن أنه يخرج من آكله شيء بعد البول كالودي ولا ينقطع إلا بعد حين، وطالما كنت أتوضأ فأحس بشيء منه فأعيد الوضوء وتارة أحس به في الصلاة فأقطعها أو عقب الصلاة بحيث أتحقق خروجه فيها فأعيده، وسألت كثيراً مما يأكلها فذكروا ذلك عنها، وهذه مصيبة في الدين وبلية على المسلمين. وحدثني عبد الله بن يوسف المقري، عن العلامة يونس المقري، أنه كان يقول: ظهر القات في زمن فقهاء لا يجسرون على تحريم ولا تحليل، ولو ظهر في زمن الفقهاء المتقدمين لحرموه. ودخل عراقي اليمن كان يسمى الفقيه إبراهيم وكان يجهر بتحريم القات وينكر على آكله، وذكر أنه إنما حرمه على ما وصف له من أحوال مستعمليه، ثم إنه أكله مرة ومراراً لاختياراه، قال فجزم بتحريمه لضرره وإسكاره، وكان يقول: ما يخرج عقب البول بسببه مني، ثم اجتمعت به فقلت له نسمع عنك انك تحرم القات. قال: نعم. فقلت له: وما الدليل؟ قال: ضرره وإسكاره، فضرره ظاهر، واما إسكاره فهل هو مطرب؟ فقلت: نعم.
فقال: فقد قالت الشافعية وغيرهم في الرد على الحنفية في إباحتهم ما لم يسكر من النبيذ: النبيذ حرام قياساً على الخمر بجامع الشدة المطربة. فقلت له: يروون عنك أنه تقول: ما يخرج عنه مني. وليس فيه شيء من خواص المني. فقال: إنه يخرج قبل استحكامه. وقد رأيت من أكثر من أكله فجن. هذا كله ملخص كلام الحرازي.
وهذا الرجل العراقي الذي أشار إليه ونقل عنه حرمة القات أخبرني بعض طلبة العلم أنه جاء إلى مكة المشرفة ودرس بها كثيراً، وأنه قرأ عليه وزاد في مدحه والثناء عليه. ووافق هؤلاء القائلين بحرمة القات قول الفقيه العلامة حمزة الناشري وهو ممن يعتمد عليه نقلاً وإفتاء كما يدل عليه ترجمة المذكور في