صوت المدق، ثم يلوكه ويمض ماءه، وقد يجففونه ثم يحملونه معهم في أسفارهم، وإذا رآهم من لا يعرف القات سخر بهم وضحك منهم، وإن أحد المصريين ليقول في قصيدة يجهو بها اليمنيين:
أسارى القات لا تبغوا على من ... يرى في القات طباً غير شافي
أما (التنباك) وهو التبغ فضرره أكبر، والمصيبة به أعظم، ولا يبعد أن يكون من الخبائث التي نهى الله عنها، ولو لم يكن فيه من الشر إلا ما تشهد به الأطباء لكان كافياً في تجنبه والابتعاد عنه، وقد أفرط جماعات من المسلمين في حكمه حتى جعلوه مثل الخمر، وحاربوه بكل وسيلة، وقالوا يفسق متعاطيه، كما أن آخرين قد بلغوا في استعماله إلى حد بعيد. وهو شجرة خبيثة دخلت بلاد المسلمين في حوالي عام ١٠١٢هـ وانتشر في سائر البلاد.
إلى أن قال: وأخبث من ذا وذاك من يمضغ التنباك ويجمعه مطحوناً مع مواد أخرى ثم يضعه بين شفتيه وأسنانه، ويسمى ذلك (بالشمة) فيبصق متعاطيها حيث كان بصاقاً تافه النفوس ويتقذر به المكان، ولربما لفظها من فمه كسلحة الديك في أنظف مكان، وللناس فيما يعشقون مذاهب.
وبعضهم يستنشق التنباك بعد طحنه وهو (البردقان) يصبه في أنفه صبا يفسد به دماغه ويجني به على سمعه وبصره، ثم لا ينفك عاطساً، ويتمخط بيده، وفي منديله أو على الأرض، وأمام الجالسين. أخبرني أحد أصدقائي أن قريبه الذي كان يستعمل البردقان لما مات مكث ثلاث ساعات وأنفه يتصبب خبثاً. ولو اقتصر الناس على ما لا بد منه للحياة لاستراحوا من التكاليف والنفقات الشاقة، ولما عرضوا أنفسهم لشيء من هذه الشرور.
وأنا لا أقيس القات والتنباك بالخمر في التحريم وما يترتب عليه من عقاب الآخرة، ولكن أقول: هذا قريب من هذا، وكل مضر لصحة الإنسان في بدنه أو عقله أو ماله فهو حرام، والبر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك المفتون. والله تعالى يقول:{يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون}(١) انتهى كلام الشيخ محمد بن سالم البيحاني في ذلك،