للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما يقول ذلك رجل انطمست بصيرته فصار يتخبط في شرع الله بما تهواه نفسه الأمارة بالسوء ونسبه إلى الإسلام وهو برئ منه، ولكن كما قال تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (١) } . وكقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ} (٢) . ومن عميت بصيرته انعكست الحقائق عنده فلا يميز بين حق وباطل، فالحق عنده ما رآه حسناً في عقله، والباطل ما رآه باطلاً في نظره: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ} (٣) .

٢- وأما طريقة "أهل السنة والجماعة" في هذا الباب فهي: أن يوصف الله بما وصف به نفسه ووصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يتجاوز القرآن والحديث، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، ويعلمون أن ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ليس فيه لغز ولا أحاجي، بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المكلم بكلامه، لا سيما إذا كان المتكلم هو الله جل وعلا، أو الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو أفصح الخلق مطلقاً من جميع الوجوه، وأعملهم بما يقول، وهو سبحنه مع ذلك (ليس كمثله شيء) لا في ذاته ولا في أسمائه وصفاته ولا في أفعاله، فكما نتيقن أن الله سبحانه له ذات حقيقية وله أفعال حقيقية فكذلك له صفات وأسماء حقيقية، وكل ما أوجب نقصاً أو حدوثاً فإن الله منزه عنه حقيقة، فإنه سبحانه مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه، ويمتنع عليه الحدوث لامتناع العدم، عليه، واستلزام الحدوث سابقة العدم، ولافتقار المحدث إلى محدث، ولوجوب وجوده بنفسه سبحانه وتعالى، ومذهب السلف هذا بين التعطيل ولتمثيل، فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه كما لام يمثلون ذاته بذات خلقه، ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم فيعطلوا الأسماء الحسنى واصفات العلا ويحرفوا الكلم، عن مواضعه ويلحدوا في أسماء الله وآياته.

ورضي الله عن الإمام مالك بن أنس حيث قال: "أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم لجدل هؤلاء؟ ‍! انتهى.

والصحابة والتابعون لهم بإحسان ومن سلك سبيلهم في هذا الباب على


(١) سورة فاطر: آية ٨.
(٢) سورة الحج: آية ٤٦.
(٣) سورة آل عمران: آية ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>