للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلاّ ما أوجبه الله ورسوله، ولا مستحب إلا ما أرشد الله ورسوله إلى استحبابه. ولم يأتنا دليل يرشدنا إلى استحباب التلفظ بالنيّة.

وقد تنبه بعض الأحناف إلى هذه الحقيقة فوجه الاستحباب على غير معناه الأصولي: فقال: "التلفظ بالنية مستحب، وقيل سنة، يعني أحبّه السلف أو سنه علماؤنا، إذ لم ينقل عن المصطفى ولا الصحابة ولا التابعين، سمّي مستحبّا باعتبار أنه أحبّه علماؤنا، وسنة باعتبار أنّه طريقة، حسنة لهم" (١).

وهذا التوجيه غير سديد، فإنَّ المستحب أو السنة إذا أطلقا انصرفا إلى المصطلح المعروف.

٢ - وقالوا: هو بدعة:

وعللوا ذلك بأنه لم ينقل عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه فعله لا في طهارة ولا صلاة ولا زكاة ولا غير ذلك، ولم يعلمه أحدا من أصحابه ولا أمر به.

ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنّه فعل ذلك أو علّمه أو أمر به، ولا التابعين ولا أتباعهم، ولا الأئمة الأربعة ولا أحد من الأئمة المعتبرين (٢).

ومعلوم أن كل ما يحدث في العبادات المشروعة من الزيادات التي لم يشرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدعة من وجهين:

الوجه الأول: من حيث اعتقاد المعتقد أنَّ ذلك مشروع مستحب، أي يكون فعله خيرا من تركه مع أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يفعله البتّة، فتبقى حقيقة هذا القول: أنَّ ما فعلناه أكمل وأفضل مما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سأل رجل مالك بن أنس عن الإِحرام قبل الميقات، فقال: "أخاف عليك الفتنة"، فقال السائل: أيُّ فتنة في ذلك؟ وإنما زيادة أميال في طاعة الله عز وجل! قال:


(١) حاشية ابن عابدين (١/ ٣٠٥).
(٢) فتح القدير لابن همام (١/ ١٨٦)، حكى أن التلفظ بدعة إذ لم يرد بإسناد صحيح ولا ضعيف، وممن نص على ذلك ابن القيم في زاد المعاد، (١/ ٥١).

<<  <   >  >>