للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النيّة في الحجّ والعمرة

لا خلاف بين المسلمين أنّ النية لازمة للحج والعمرة، ولا يصح واحد منهما إلا بها كما لا تصح الصلاة إلاّ بها، لذا قال القرطبي: "لا خلاف بين العلماء فيمن شهد مناسك الحج، وهو لا ينوي حجّا ولا عمرة -والقلم جار له وعليه- أنّ شهودها بغير نيّة ولا قصد غير مغن عنه، وأن النية تجب فرضا، لقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} (١)، ومن تمام العبادة حضور النية" (٢). ونقل ابن العربي عن الشافعي أنه قال: "ولو لبّى رجل، ولم ينو حجّا ولا عمرة، لم يكن حاجا ولا معتمرا" (٣). ولذا اتفق أبو حنيفة ومالك وأحمد، على أن من أحرم بالحج في غير أشهره- أنّه لا ينعقد عمرة، وعللوا ذلك بأنّه لم ينوها عمرة، وكان قال بعضهم إنه يتحلّل بأعمال العمرة (٤).

وما جرى من خلاف بين العلماء في أنّ الحجّ والعمرة يتأديان بمطلق النية لا يجعل وجوب النيّة فيهما مسألة خلافية، لاتفاقهم على أن النيّة لا بدّ منها، وإنما الخلاف في تحديد المنوي وتعيينه، وهذا سبق الكلام فيه. وما جرى من خلاف في وجوب النيّة في الطواف بالبيت، والوقوف بعرفات؛ لا يجعل المسألة خلافية أيضا، لأنَّ الذين قالوا بعدم لزوم النيّة لأركان الحجّ والعمرة وواجباتهما- قالوا: لأن نية الحجّ والعمرة شاملة لجميع الأعمال، فعدّوا أفعال الحج كأفعال الصلاة، فالمصلّي لا يحتاج أن يحدث نية لكلّ فعل من الأفعال: ركوع، ورفع، وسجود ... الخ، فكذلك الحج والعمرة.


(١) سورة البقرة ١٩٦.
(٢) تفسير القرطبي ٢/ ٣٦٩.
(٣) أحكام القرآن لابن العربي (٢/ ٣٦٩).
(٤) العيني على البخاري (١/ ٣٣).

<<  <   >  >>