للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وينبغي أن يحمل كلام مالك وابن العربي في مثل هذه الحال على ما إذا كان القصد إلى هذه الأمور تابعا للِإخلاص، أما إذا كان قصد هذه الأمور متبوعا فهو رياء، لا يخالف فيه مالك ولا غيره (١).

ومع ذلك فقد ذهب كثير من العلماء إلى أنَّ هذا القصد ينافي الإخلاص ويذهبه، وأنّه من الرِّياء، منهم الحارث المحاسبي والقرطبي وغيرهما (٢).

الأمور التي يراءى بها (٣)

قد يرائي العبد بالنحول والإصفرار، ليوهم الناس أنه حبان في العبادة كثير الحزن والخوف، وقد يرائي بضعف الصوت، وغور العينين وذبول الشفتين ليستدل بذلك على الصيام.

وقد يرائي بتشعيث الرأس وحلق الشارب واستئصال الشعر، ليظهر بذلك تتبع زي العبّاد والنساك، وقد يحرص على إبراز أثر السجود في جبهته، ويلبس الغليظ من الثياب وخشنها، ويشمرها، ويقصر الأكمام، ويخصف النعال.

وقد يكون رياؤه بالنطق بالحكمة، وإقامة الحجة عند المجادلة، وحفظ الحديث وبيان الحجة والفهم والعلم وإظهار الذكر لله -عز وجل- باللسان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحسن الصوت بالقراءة، وتحزينه وإظهار


(١) وقد جاء اشتراط كون القصد متبوعا فيما أورده ابن رشد في المقدمات (ص ٣٠)، وأحب أن أسوق كلامه لما فيه من توضيح لهذه المسألة، يقول ابن رشد: (سئل الإمام مالك وربيعة عن الرجل يحب أن يلقى في طريق المجد، ويكره أن يلقى في طريق السوء، فأما ربيعة فكره ذلك، وأما مالك فقال إذا كان أول أمره ذلك وأصله لله تعالى فلا بأس بذلك إن شاء الله تعالى، قال تعالى: {وألقيتُ عليك محبةً منِي} سورة طه /٣٩، {واجعل لي لسان صدق في الآخرينَ} سورة الشعراء /٨٤، وقال عمر بن الخطاب لابنه "لأن قلتها أحب إلي من كذا وكذا" يريد جواب سؤال للرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يعرفه القوم، وعرفه ابن عمر. قال مالك: فأي شيء هذا إلا هذا، فإن هذا شيء يكون في القلب لا يملكه، هذا إنما يكون من الشيطان ليمنعه العمل، فمن وجد ذلك فلا يكسل عن التمادي في فعل الخير، ولا ييأس من الأجر، وليدفع الشيطان عن نفسه ما استطاع، ويجرّد النية لذلك).
(٢) الرعاية ص ١٥٠، تفسير القرطبي ٥/ ٤٢٣.
(٣) راجع الرعاية (ص ١٤١ - ١٤٢)، أحكام القرآن لابن العربي (٤/ ١٩٧٢) تفسير القرطبي (٢٠/ ٢١٢ - ٢١٣)، سبل السلام (٤/ ١٧٥).

<<  <   >  >>