للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأبو حنيفة هنا لا يخالف في أصل القاعدة: أي لا يرى أن العبادة من الكافر صحيحة، وتصحيحه الوضوء والغسل منه لأنهما لا يحتاجان إلى نيّة عنده (١)، ولذلك نراه يوافق غيره من الأئمة في عدم صحة النية من الكافر.

غير أنَّ أبا يوسف (٢) يصحّح التيمم من الكافر إذا أراد الإسلام لا الصلاة، وحجته في ذلك أنَّ الإسلام يصح منه، فكذلك التيمم، بخلاف ما لو تيمم بنيّة الصلاة، لأنَّ الصلاة قربة لا تصحّ من الكافر، فلا تصحّ نيتها منه (٣)، وواضح أن أبا يوسف هنا يصحّح التيمم لا على أنه عبادة يتقرب بها، بل لأنه مأمور بالتطهر: الاغتسال، فإن لم يجد ماء تيمم، كي يدخل في الإسلام.

[الزكاة من أهل الذمة]

استثنى كثير من العلماء كالشافعي وأبي حنيفة وأحمد والثوري نصارى بني تغلب من بقية الكفار وجوزوا أخذ الزكاة منهم مضاعفة بدل الجزية (٤).

وحجّتهم فيما ذهبوا إليه أن عمر بن الخطاب فعل هذا، فقد ورد أنَّ النعمان بن زرعة كلَّم عمر بن الخطاب في بني تغلب، وقال له: "إنهم عرب يأنفون من الجزية، فلا تعن عدوك بهم، فصالحهم عمر على أن أضعف عليهم الصدقة".

وابن حزم يرّد هذا الخبر ويضعفه لانقطاعه وضعف رواته، إلا أن محقق الكتاب: الشيخ أحمد شْاكر ردّ قول ابن حزم بأمرين: (٥)


(١) العناية (١/ ٩١)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص ٤٩).
(٢) هو يعقوب بن إبراهيم صاحب الإمام أبي حنيفة، أخذ عن مالك وكبار المحدثين، اشتغل بالقضاء، وكان كبير القضاة في عهد الرشيد، له كتاب "الخراج"، و (الرد على سير الأوزاعي)، ولادته في عام (١١٣ هـ)، ووفاته في (١٨٢ هـ).
راجع: (تذكرة الحفاظ ١/ ٢٩٢)، (طبقات الحفاظ ص ١٢١)، (شذرات الذهب ١/ ٢٩٨)، (الأعلام ٩/ ٢٥٢)، (معجم المؤلفين ٣/ ٢٤٠).
(٣) العناية (١/ ٩١).
(٤) المحلى (٦/ ١١١)، بداية المجتهد (١/ ٢٥١).
(٥) تعليق أحمد شاكر على المحلى (٦/ ١١١ - ١١٣).

<<  <   >  >>