للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولاً: اتباع الهوى

أكثر الناس تحركهم أهواؤهم، فيكون الهوى هو الدافع والباعث على العمل، وفي الوقت نفسه هو الغاية التي يسعى صاحب الهوى إلى تحقيقها، وبذلك يكون الهوى هو الإله الذي يعبده، ويطوف حوله، قال ابن عباس: "الهوى إله معبود"، ثم قرأ: {أَرَأيْتَ مَن اتخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ} (١) (٢) فصاحب الهوى متعبِّد لهواه حبًا وخوفا، ورجاء ورضا، وسخطا، وتعظيما، وذلا، إن أحب أحب لهواه، وكان أبغض أبغض لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، فهواه آثر عنده، وأحبّ إليه من رضا مولاه. فالهوى على ذلك مضاد للإخلاص ومناف له، ولا يجتمع في قلب إخلاص وهوى، فالمخلص متوجه إلى الله بكليَّته، وصاحب الهوى يدور حول نفسه، كما يدور الحمار برحاه.

والهوى عميق الجذور في النفس الإنسانية، ولذلك فإنه إذا تمكن من الإنسان سيطر عليه سيطرة المقاتل على أسيره، وقد ضرب الله مثلا للذي يتبع الهوى يعجز البيان عن أن يأتي بمثله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (٣). والسبب في قوة الهوى وسيطرته على النفس، أن الشهوات التي يهواها العبد مخلوطة بكيانه، وهو يشعر باللذة الحاضرة عندما ينال هواه، وما تشتهيه نفسه، فاللذَّة التي يعرف


(١) سورة الفرقان ٤٣.
(٢) عيون الأخبار ١/ ٣٧.
(٣) سورة الأعراف ١٧٥ - ١٧٦.

<<  <   >  >>