للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تمييز الذكر عن الإنشاء والعلم بالمنوي عنهما عسر، سيما على عامّة الخلق.

وكان السلف الصالح لا يرون المؤاخذة بهذه التفاصيل، والقدر المعتبر دينا انتفاء الغفلة بذكر النية حالة التكبير مع بذل المجهود في رعاية الوقت، فأمّا التزام حقيقة مصادفة الوقت الذي يذكره الفقيه فمما لا تحويه القدر البشرية (١).

ونقل النووي هذا القول عن إمام الحرمين والغزالي وقال: "وهذا الذي اختاراه هو المختار" (٢).

القول الثاني: جواز تقدّم النيّة على التكبير بزمن يسير:

ذكرنا أن مالكا والشافعي قالا بوجوب مقارنة النية للتكبير، ثم ذكرنا اختلاف أصحاب الشافعي في معنى المقارنة وتحقيق القول في ذلك.

وقد ذهب الإمامان: أحمد وأبو حنيفة إلى جواز تقديم النية على التكبير بوقت يسير (٣).

وقد نص فقهاء المذهبين على أن الفصل إذا طال لم تجز المصلي نيته المتقدمة. واشترطوا أيضا ألّا يفسخ نيّته، وألا يشتغل بعمل من غير جنس الصلاة بحيث يذهل عن الصلاة (٤).

واستدلّوا لمذهبهم:

١ - بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّما الأعمال بالنيّات، وإنّما لكلّ امرىء ما نوى"، وتقديم النيّة على الفعل لا يخرج الفعل عن كونه منويّا، ولا يخرج الفاعل عن كونه مخلصا، بدليل أنَّ الصائم والمزكي يقدّمان النيّة، ولا يخرجهما ذلك عن كونهما مخلصين (٥).


(١) نهاية المطلب في دراية المذهب، انظر نهاية الإحكام (ص ٣٥ - ٣٨).
(٢) المجموع (٣/ ٢٤٤).
(٣) حاشيه ابن عابدين (١/ ٣٥٠)، الإفصاح (١/ ٨٨)، المجموع (٣/ ٢٤٤).
(٤) حاشية ابن عابدين (١/ ٣٠٦)، البداية (١/ ١٨٥) بدائع الصنائع (١/ ١٢٩).
(٥) المغني لابن قدامة (١/ ٤٦٩) بدائع الصنائع (١/ ١٢٩).

<<  <   >  >>