للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[التقرب إلى الله بالعبادات المبتدعة]

العبادة التي يتقرب بها إلى الله -تعالى- لا يمكن أن تعرف إلا بوحي الله المنزل، فنحن نتقرب إلى الله بالأفعال التي يحبها الله -تعالى- ويرضاها، ومحبوبات الله ومرضياته غيب محجوب عنا، ولا نستطيع معرفته إلا إذا أعلمنا بذلك.

من هنا كانت العبادات التي تقربنا إلى ربنا مبينة مفصلة، ولم يترك الله لأحد فيها قولا، ولم يدع فيها نقصا يحتاج إلى إكمال ولو ترك شيء منها بغير إيضاح لكان مدعاة إلى الاختلاف والتنازع، ومن زعم أن في الدين بدعة (١) حسنة فإنه يزعم أنَّ الله لم يكمل دينه، ولم يتم نعمته على رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى أمته، والله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (٢)، فالدين الذي رضي الله أن نتقرب به إليه هو الدّين الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فما لم يكن في عهده -صلى الله عليه وسلم- عبادة وقربة فلن يكون بعد ذلك عبادة ولا قربة.

والذي يزعم أنه يمكن أن يتقرب بعبادة مستحدثة لم يفعلها الرسول -صلى الله


(١) أصل مادة (بدع) للاختراع على غير مثال سابق، ومنه قول تعالى: {بديع السموات والأرض}، أي مبدعهما من غير مثال سابق متقدم. ويقال: ابتدع فلان بدعة يعني ابتدأ طريقة لم يسبق إليها سابق، ومن هذا المعنى سميت البدعة بدعة، وقد عرفها بعض الفقهاء بقوله: "هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه". فالطريقة: الطريق والسبيل، وهي شاملة لأمور الدين والدنيا وقوله: في الدين، أخرج البدعة الدنيوية، فإن منها المستحسن والمستقبح. وقوله (مخترعة) أخرج طرق التعبد المشروعة، وقوله (تضاهى الشرعية) لأنه لو كانت، تضاهي الشرعية لم تكن بدعه لأنها تصير من باب الأفعال العادية، وقوله: يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى "هو تمام معنى البدعة إذ هو المقصود بتشريعها، وذلك أن المبتدع يريد المبالغة بالتعبد بفعل ما لم يؤمر به، كأنه لم يكتف بالمأمور".
راجع: الاعتصام للشاطبي (١/ ٢٩ - ٣٦)، فقد أطال في التعريف وشرحه.
(٢) سورة المائدة / ٣.

<<  <   >  >>