للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منه، فقال: يا أيها الناس، قد ميَّلت (١) بين أن أخافكم في الله تعالى، وبين أن أخاف الله فيكم، فكان أن أخاف الله فيكم أحبّ إليّ، ألا وإني قد فسوت، وها أنا نازل أعيد الوضوء، فكان ذلك منه زجرا لنفسه، لتكف عن نزاعها إلى مثله (٢).

والإنسان قد يرائي الناس بطلب دنياهم فتهرب منه الدنيا، ولا يرجع من ريائه بغير خفي حنين، وقد يعرض عن دنياهم، فتأتيه الدنيا، وتقبل عليه، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من كانت نيته طلب الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته طلب الدنيا جعل الله الفقر بين عينيه، وشتت عليه أمره، ولا يأتيه منها إلا ما كتب" (٣).

[٤ - النظر في عواقبه الأخروية]

ومما يدفع الرياء أن يتفكر المرائي في إثم الرياء وعاقبته، وقد سبق ذكر الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، مع أنهم كانوا فعالين للخير، إلَّا أنهم لم يريدوا به ربَّ العباد، بل أرادوا العباد.

وفي يوم القيامة يهتك الله ستر المرائين ويفضحهم جزاء كذبهم، وفي الحديث الصحيح يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من سمَّع سمَّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به" (٤).

قال ابن جر: قال الخطابي: "معناه من عمل عملا على غير إخلاص وإنما يريد أن يراه النَّاس ويسمعوه، جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه، ويظهر ما كان يبطنه" (٥).

قال ابن حجر: "ورد عدَّة أحاديث في التصريح بوقوع ذلك (أي تسميع الله


(١) ميلت ومايلت بين الشيئين: رجحت ووازنت.
(٢) أدب الدنيا والدين ص ٩٥.
(٣) رواه الترمذي وأحمد عن أنس، ورواه الدارمي عن أبان، عن زيد بن ثابت، (مشكاة المصابيح ٢/ ٦٨٤).
(٤) رواه البخاري ومسلم (مشكاة المصابيح٢/ ٦٨٣).
(٥) فتح الباري ١١/ ٣٣٦.

<<  <   >  >>