للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا أرى مأخذا على ما ذهب إليه صاحب الهداية فقد نصَّ على أنَّ النيَّة هي الِإرادة، وكون الناوي لا بد أن يعلم ما سينويه صحيح، لأنَّ النية وإن كانت إرادة وقصدا إلاّ أنها لا يمكن أن تحصل أو تقع مع الجهل، فالنية تتبع العلم، فمن علم ما يريد فعله فلا بد أن ينويه ضرورة، وإذا جهل الأمر فكيف ينويه؟

أمّا القول بأنَّ مطلق العلم بالشيء نية فهو خطأ بيِّن، وإلّا لزم من علم الكفر أن يكون كافرا، مع أنَّ الذي ينوي الكفر كافر (١).

هل للإِنسان سلطان على نيّته وقصده

هل يمكن للِإنسان أن يوجّه نيته الوجهة التي يريد، إذا شاء أن يكون مخلصا؟ وهل يتحقق ذلك تلقائيا؟

يقول الغزالي: (٢) "اعلم أن الجاهل يسمع ما ذكرناه من الوصيّة بتحسين النيّة وتكثيرها مع قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا الأعْمَالُ بالنيّاتِ" فيقول في نفسه عند تدريسه أو تجارته أو أكله: نويت أن أدرس لله، أو آكل لله. ويظنّ أنَّ ذلك نيّة، وهيهات! فذلك حديث نفس، وحديث لسان وفكر أو انتقال من خاطر إلى خاطر، والنية بمعزل من جميع ذلك، وإنما النيَّة انبعاث النفس وتوجهها وميلها إلى ما ظهر لها أنَّ فيه غرضها إمّا عاجلا وإمّا آجلا، والميل لا يمكن اختراعه واكتسابه بمجرد الإرادة، بل ذلك كقول الشبعان: نويت أن أشتهي الطعام، وأميل إليه، أو قول الفارغ: نويت أن أعشق فلانا وأحبه وأعظمه بقلبي، فذلك محال" (٣).


(١) راجع حاشية ابن عابدين (١/ ٣٠٤ - ٣٠٥).
(٢) هو محمد بن محمد بن محمد الغزالي، ولد في خراسان سنة (٤٥٠ هـ)، ونبغ في علوم عدة، وألف في فنون كثيرة، وأشهر كتبه (إحياء علوم الدين)، و (المستصفى) في الأصول، و (تهافت الفلاسفة). توفي عام (٥٠٥ هـ) في بلده التي ولد بها. (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ٩/ ١٦٨)، (معجم المؤلفين ١١/ ٢٦٦).
(٣) إحياء علوم الدين (٤/ ٣٧٣).

<<  <   >  >>