للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وممن نصَّ على هذه الحقيقة وأدركها العلامة ابن خلدون (١)، قال: "الأعمال الظاهرة كلُّها في زمام الاختيار، وتحت طوع القدرة البشرية، وأعمال الباطن في الأكثر خارجة عن الاختيار متعاصية على الحكم البشري، إذ لا سلطان له على الباطن" (٢) (٣).

فإذا كان العبد ليس له سلطان على نيته، فكيف يؤمر بأن يوجهها توجيها معينا؟! كيف يأمرنا الشارع بالِإخلاص ويجعله أعظم التكاليف الشرعية؟!

ونحن نعلم أنَّ شرط التكليف أو سببه قدرة المكلف على المكلف به، فما لا قدرة للمكلف عليه لا يصح التكليف به شرعا، وإن جاز عقلا!!


(١) هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد الإشبيلي الحضرمي، فيلسوف مؤرخ، عمل في شؤون الدولة، وولي قضاء المالكية في مصر، اشتهر بكتابه: (العبر وديوان المبتدأ والخبر)، وتعد مقدمة الكتاب مرجعا هاما في علم الاجتماع، بل الكتاب الأول في هذا العلم، ولد في سنة (٧٣٢ هـ)، وتوفي في سنة (٨٠٨ هـ). (الأعلام ٤/ ١٠٦).
(٢) شفاء السائل (ص ٢٦).
(٣) إلا أن العلماء المحدثين اليوم يجادلون في صحة هذه النظرية، ويرون أن الإنسان يستطيع التحكم في كثير من الأمور التي كان يظن أنها (لا إرادية)، ففي عام ١٩٦٢ اخترع (بيتر لانج) من جامعة (بيتسبرج) جهازا يسمح للإنسان بأن يتابع التغير في معدل ضربات قلبه على شاشة، طلب (لانج) من الأشخاص الذين يجري عليهم تجاربه؛ أن يتحكموا في معدل نبضهم بحيث يبقى عند حد معين، معتمدين على إراداتهم فقط، فحصل على نتائج مدهشة.
وفي عام (١٩٦٥) استطاع العالمان (ايلمد وجرين) من مؤسسة (فينجار) في ولاية كانساس) تدريب النساء والأطفال على تغيير حرارة الكف بالاعتماد على التحكم الإرادي في البدن، وقد ساعد على سرعة تعلم هذه القدرة جهاز يقرأ عن طريقه الشخص موضوع التجربة التغييرات التي تحدث في درجة حرارة الكف. عن طريق هذا الجهاز استطاع بعض هؤلاء الوصول إلى هذه المقدرة بعد عدة أيام .. ، وفي بعض الأحيان بعد عدة ساعات ... وقد قادت هذه الأبحاث الرائدة، إلى آلاف التجارب في جميع أنحاء العالم في المستشفيات ومراكز البحث العلمي والطبي والجامعات، وتم ابتكار العديد من الأجهزة المساعدة التي تظهر للشخص ما يحدث من تغيير في العمليات الحيوية (اللاإرادية) داخل جسمه .. ، وأثبتت هذه التجارب قدرة الإنسان على التحكم الإرادي في وظائف الجسم (اللاإرادية) ... ، وهذه الكشوف تستدعي أن نعيد النظر في بعض النظريات التي أصبحت لدينا مسلمة لا تقبل الجدل على الرغم أنه لم يدل عليها دليل شرعي صحيح (راجع مجلة العربي الكويتية عدد ذي الحجة ١٣٩٦، ديسمبر ١٩٧٦ ص ٤٢).

<<  <   >  >>