للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشرط الرابع

عدم التشريك في النيّة

لا نريد بالتشريك هنا ما ينافي الإخلاص، كأن يصلي الصلاة يقصد بها وجه الله وثناء الناس ومديحهم، فهذا مكانه الباب الثاني.

وإنما نريد هنا أن يقصد بالعمل الواحد قربتين، كأن ينوي بالصلاة الرباعية قضاء فائتة وفريضة الوقت الحاضر.

والقاعدة العامة التي يكاد الفقهاء يجمعون عليها أن هذه النيَّة غلط، لأن العبادة الواحدة لا يمكن أن تغني غناء عبادتين. إلا أن بعضا منهم استثنى بعض العبادات وحكم بحصول كلتا العبادتين: فمن ذلك من نوى بصلاته الفريضة وتحية المسجد، ومن نوى بغسله رفع الحديث الأصغر والأكبر، أو غسل الجمعة والجنابة، أو نوى بتيممه رفع الحدثين: الأكبر والأصغر. والذي يقول بحصول العبادتين بالفعل الواحد في مثل هذه الصور فلأن مراد الشارع يتحقق بحصول الفعل، فتحية المسجد تحصل بأداء الفريضة، نوى التحيّة أو لم ينوها، لأن المراد شغل البقعة بالعبادة.

والحدث الأصغر يرتفع في الطهارة إذا ارتفع الأكبر، وفي الغسل للجنابة والجمعة يحصلان لأنَّ فعلهما واحد، وكذلك التيمم (١).


(١) حصول العبادتين في مثل هذه الصور ليس أمرا اتفاقيا، فقد خالف في صحة ذلك قلة من الشافعية (المجموع ١/ ٣٧٦)، هذا إذا قصدهما جميعا، فإن قصد غسل الجمعة ولم يقصد الجنابة فإنه لا يجزيه عن الجنابة عند الشافعيّ (مختصر المزني ١/ ٥٣)، ورجحه ابن حجر (فتح الباري ١/ ١٤).
وابن حزم يوجب على من عليه حدث أصغر أن يتيمم تيممين والمرأة الحائض التي عليها جنابة إذا طهرت من حيضها في يوم الجمعة يلزمها أربع تيممات عنده، للحيض، والوضوء، والجمعة، والجنابة، وحجته أن لا دليل يدل على إجزاء التيمم عن أكثر من حدث، وقد رد الذهبي عليه بأن حدث عمار عند البخاري يدل على الإجزاء فقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعمار الذي كانت عليه جنابة ويريد الصلاة: "إنما يكفيك أن تقول يديك هكذا، ثم ضرب يديه الأرض مرّة، ومسح الشمال على اليمين، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه"، (المحلى ٤/ ١٣٨)، وانظر الحديث في صحيح مسلم، انظره بشرح النووى (٤/ ٦١).

<<  <   >  >>