للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلَّل أصحاب الشافعي عدم اللزوم: بأن النذر إنما يكون بما القصد منه القربة مما هو من جنس القربة، وهذا وإن كان جنس القربة لكنه لم يقصد به قربة، وإنما قصد منع نفسه عن فعل أو إقدام على فعل (١).

وذهب فريق آخر من العلماء إلى أن النية الخيرة تحول المباح إلى قربة يؤجر صاحبها.

يقول ابن الحاج (٢) في المدخل: "المباح ينتقل بالنية إلى الندب، وإن استطعنا أن ننوي بالفعل نية أداء الواجب كان أفضل من نية الندب، للحديث: "وما تقرب إليَّ عبدي بأحبَّ إلي مما افترضته عليه" (٣)، (٤).

وذكر ابن القيم أنَّ خواص المقربين هم الذين "انقلبت المباحات في حقهم إلى طاعات وقربات بالنية، فليس في حقهم مباح متساوي الطرفين، بل كل أعمالهم راجحة" (٥).

[التوفيق بين الرأيين]

قد يبدو أنَّ هناك تناقضا بين ما ذهب إليه هذان الفريقان إلاّ أنَّ الناظر المتعمق في البحث يرى أن الذي نفاه الفريق الأول ليس هو الذي أثبتة الفريق الثاني.

الفريق الأول ينكر أن تكون المباحات عبادات وقربات في صورتها، وهذا حق لا يجوز أن يخالف فيه أحد، ومن ظَنَّ أنّه يعبد الله بالمشي والوقوف واللباس الأسود أو الأخضر، أو ببناء الدور والعمارات للسكنى فهو مخطىء، لأن هذه ليست عبادات في ذاتها.


(١) أحكام القرآن لابن العربي ٤/ ١٧٨٨، وقال إن مالكا وأبا حنيفة قالا يلزمه الوفاء.
(٢) هو محمد بن محمد بن محمد بن الحاج المالكي القاضي نزيل مصر، توفي بالقاهرة (٧٣٧ هـ)، له كتاب (المدخل)، و (الأزهار الطيبة النشر). راجع: (الأعلام ٧/ ٢٤٦).
(٣) الحديث رواه البخاري (فتح الباري ١١/ ٣٤٠).
(٤) الحديث ١/ ٢١ - ٢٢.
(٥) مدارج السالكين ١/ ١٠٧.

<<  <   >  >>