الإتيان بالنية في أول العبادة شرط لا تصح العبادة بدونه.
ولكن هل يجب على العابد أن يبقى ذاكرا لهذه النية غير غافل عنها طيلة العبادة؟ الجواب: لا، لا يجب عليه ذلك، لأن إلزام العباد بهذا في غاية المشقة والكلفة، بل لو قيل بوجوبه لكان من التكليف بما لا يطاق، لأنَّ العباد مأمورون بأشياء أخرى غير النية في أثناء العبادة كالصلاة مثلا، فإنّهم مأمورون بالذكر وقراءة القرآن، والتفكر والتفهم لذلك كلّه.
وفي الحج والصيام يشغل العابد بأمور خارجة عن العبادة، لا يتذكر معها النية، فقد يكون مشغولا بالبيع والشراء وأعمال الدنيا، بل قد ينام فيغفل عن كلّ شيء.
من هنا نصَّ العلماء على أن الواجب على العابد "استصحاب حكم النية دون حقيقتها"، ويريدون بالاستصحاب هنا أن الشارع حكم بعدم بطلانها حال ذهول العابد عنها، وعزوبها عنه، وكل ما يلزم العابد في هذه الحال ألا يأتي بما ينافيها ويبطلها، كأن ينوي قطعها أو يرفضها.
وسنتناول فيما يأتي حكم النية التي يرفضها العابد، أو يقطعها، أو يقلبها، وتأثيرها على العبادة.
وفى هذا المبحث مسائل لها صلة به كتغيير النية، واختلاف نية الإمام والمأموم.
(١) راجع في هذه المسألة: قواعد الأحكام (١/ ٣٠٧)، الذخيرة (١/ ٢٤٣)، المغني لابن قدامة (١/ ١١٢)، (١/ ٤٦٧)، الأم (١/ ٢٥، ٨٦)، الحطاب على خليل (١/ ٢٣٠).