للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعقب على هذا قائلا: "فهذا كله جهل، والنيّة لا تؤثر في إخراجه عن كونه ظلما وعدوانا ومعصية، بل قصده الخير بالشر -على خلاف مقتضى الشرع- شر آخر، فإن عرفه فهو معاند للشرع، وإن جهله فهو عاص بجهله، إذ طلب العلم فريضة على كل مسلم" (١).

[الفرقة الثالثة]

هم الذين يظنّون أن: من الحرام ما يصبح قربة في حق طائفة معينة أو فرد معين.

وقد تكلم العز بن عبد السلام عن طائفة من الناس يرون أنَّ المعصية الصغيرة مباحة للوليّ، ويزعمون أنَّ الله أحلّ له ما لم يحل لغيره، قال: "وأشرّ من هؤلاء من يعتقد أن ذلك الذنب قربة لصدوره عن ذلك الولي" (٢).

ونقل ابن الجوزي عن بعض الصوفية قوله: "السماع حرام على العوام لبقاء نفوسهم، مباح للزهاد لحصول مجاهداتهم، مستحبّ لأصحابنا لحياة قلوبهم" (٣).

وهذا خطأ فإن الله حرم ما حرم تحريما كليا عاما، ولا يستثنى من هذا إلاّ ما استثناه الله لحاجة أو ضرورة، كالمضطر لأكل الميتة، أما الزعم بأنَّ الحرام يحلّ لبعض الناس دون بعض، ويصحّ قربة من بعض آخر فهذا مخالف للأدلة، ولما كان عليه سلف الأمة.

وخلاصة القول: أن الحرام لا يكون قربة بحال من الأحوال.

يقول الحارث المحاسبي: "ولا إخلاص في محرم ولا مكروه، كمن ينظر إلى ما لا يحلّ له النظر إليه، ويزعم أنه ينظر إليه ليتفكر في صنع الله تعالى، كالنظر إلى


(١) إحياء علوم الدين ٤/ ٣٦٨ - ٣٦٩.
(٢) قواعد الأحكام ١/ ١٥٠.
(٣) تلبيس إبليس/ ٢٧٧.

<<  <   >  >>