للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٣ - قصد النعيم الأخروي]

وقد بالغ بعض العلماء والعباد في تجريد القصد إلى الله والتقرب إليه، حتى عدّوا طلب الثواب الأخروي الذي وعد الله به عباده الصالحين قادحا في الإخلاص، وهم وإن لم يقولوا ببطلان الأعمال التي قصد أصحابها الثواب الأخروي- إلاّ أنهم كرهوا للناس العمل على هذا النحو، ووصفوا العامل رجاء حظّ أخروي بالرعونة، ووسموه بأجير السوء، مما جعل قلوب كثير من الذين يقرؤون كلامهم تحاذر أن تقصد هذا القصد، وتجاهد في ألا تنظر إلى ثواب الأعمال الأخروية.

وقد تناقل العلماء قول رويم (١) في تعريف الإِخلاص: "الإخلاص ألا يريد على عمله عوضا في الدارين، ولا حظَّا من الملكين" (٢).

ووصفت رابعة العدوية (٣) الذي يعبد رجاء الجنة وخوف النار بأنه أجير سوء حيث تقول: "ما عبدته خوفا من ناره، ولا حبّا في جنته، فأكون كأجير السوء، بل عبدته حبا له وشوقا إليه" (٤).

ووصف الغزالي العاملين على هذا النحو بالبَلَه، بالإضافة إلى الوصف الذي وصفتهم به رابعة العدوية: "العامل لأجل الجنة عامل لبطنه أو فرجه، كالأجير


(١) هو رويم بن أحمد بن يزيد، صوفي مشهور، من مشايخ بغداد توفى سنة (٣٣٠ هـ).
راجع: (الأعلام ٣/ ٦٥).
(٢) المجموع ١/ ٣٠.
(٣) هي رابعة بنت إسماعيل العدويّة، عابدة ناسكة من أهل البصرة، توفيت ببيت المقدس سنة (١٣٥ هـ).
راجع: (وفيات الأعيان ٢/ ٢٨٥).
(٤) إحياء علوم الدين ٤/ ٣١٠.

<<  <   >  >>