للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة" (١). وكلّ من لم يرض بالإسلام دينا، وبحكمه حكما، فإنّه غارق في قاذورات الجاهلية: {أفَحُكْمَ الْجَاهِبيةِ يَبغُونَ ومَنْ أحسنُ مِنَ الله حكْمًا لِقَوم يُوقِنونَ} (٢). والذين يرفضون أن يكون الله معبودهم فإنهم يهينون أنفسهم بتعبيدها لمخلوقات أقل منها شأنا وأحقر منزلة، وهم في ذلك يُدسون هذه النفوس. والإسلام يعدّ الذي يكون جلّ همه وغاية مطلبه الدينار والدرهم والملبس والمأكل؛ عبدا لهذه التي سيطرت على نفسه: "تعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تعس عبد الدرهم، تَعِسَ عَبْدُ الْخميصَة، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ" (٣).

[٥ - عنى الله عن العباد وإحسانه إليهم]

ومما يوجب على العباد التوجه إلى رب العباد دون سواه أنه سبحانه وتعالى محسن إليهم، متفضل عليهم، وهو غني عنهم، يجلب لهم الخير ويكشف عنهم الضرّ، لا لجلب منفعة إليه من العبد ولا لدفع مضرة، بل رحمة وإحسانا. والعباد لا يتصور أن يعملوا إلا لحظوظهم، فأكثر ما عندهم للعبد أن يحبوه، ويعظّموه، ويجلبوا له منفعة، ويدفعوا عنه مضرة، وإن كان ذلك أيضا من تيسير الله تعالى.

فإنهم لا يفعلون ذلك إلا لحظوظهم من العبد إذا لم يكن العمل لله، فإنَّهم إذا أحبوه طلبوا أن ينالوا غرضهم من محبتهم، سواء أحبوه لجماله الباطن أوالظاهر، وإذا أحبوا الأنبياء والصالحين طلبوا لقاءهم، فهم يحبون التمتع برؤيتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك. وكذلك من أحب إنسانا لشجاعته أو لرياسته أو جماله أو كرمه، فهو يحب أن ينال حظه من تلك المحبّة، ولولا التذاذه بها لما أحبه، وإن جلبوا له منفعة كخدمة أو مال، أو دفعوا عنه مضرة كمرض وعدو ولو بالدعاء أو


(١) البداية والنهاية (٧/ ٣٩) ط الثانية ١٩٧٧ مكتبة المعارف- بيروت.
(٢) سورة المائده / ٥٠.
(٣) حديث نبوي رواه البخاري في صحيحه (مشكاة المصابيح ٢/ ٦٤٩)، والخميصة: ثوب خز، أو صوف معلم، وقوله: (انتكس)، أي صار ذليلا، دعاء عليه، وقوله: (شيك) أي دخل الشوك في عضوه، وقوله: (انتقش): أي لا يقدر على إخراجه.

<<  <   >  >>