للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز لي عن أمي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تتكلم "، وفي لفظ: "ما حدثت به أنفسها" (١)، وهو اللفظ المشهور.

والوسوسة وحديث النفس متقاربان، إذ المعنى في كليهما: تردّد في النفس من غير اطمئنان إليه واستقرار عليه.

ولم يرد حديث صريح في أن حديث النفس الخير ينال به العبد ثوابا إذا لم يفعل ما حدَّث نفسه به، إلّا أنه يستأنس بقوله صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق" (٢)، فمفهوم المخالفة أن حديث النفس يدفع النفاق، وذلك لا يكون إلاّ مأجورا عليه.

إلاّ أن يقال: إن المراد بحديث النفس هنا العزم، فنقول: هذا خلاف ظاهر.

لم أثيب الهامّ بالحسنة ولم يُعاقب على الهم بالسيئة؟

قد يقال: لم أثيب الذي هم بالخير أو حدَّث به نفسه، ولم يعاقب الذي هم بالشر، أو حدث نفسه به؟

فالجواب: أن إرادة الخير خير في ذاتها، ولقد أحسن القائل حيث يقول:

لَأشْكُرنكَ معْرُوفًا هَمَمْتَ بِهِ ... إن اهْتِمَامَكَ بالْمَعْرُوفِ مَعْرُوفُ

وَلَا أَلُومكَ إنْ لَمْ يُمْضهِ قَدَرٌ ... فَالشيء بِالْقَدَرِ الْمَحْتُومِ مَصْروفُ (٣)

وإرادة الخير عمل القلب، وعمل القلب فيه الثواب، وإرادة السيئة يكفرها تركها، فإن كان الترك خوفا من الله، فالخوف عبادة يستحق الإِثابة.

ثم الإثابة على إرادة الخير مقتضى رحمة الله، وعدم العقوبة على إرادة الشر مقتضى عفو الله، وحسبنا هذا دليلا.


(١) صحيح البخاري، ذكره في عدة مواضع منها: (٦ - العتق)، انظر الفتح (٥/ ١٦٠).
(٢) رواه مسلم عن أبي هريرة (مشكاة المصابيح ٢/ ٣٥٣).
(٣) مجموع الفتاوى (١٠/ ٧٣٧).

<<  <   >  >>