للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحاجر الصلب أمام دفعات الهوى العنيفة، وقلَّ أن يثبت غير هذا الحاجز أمام دفعات الهوى، ومن ثم يجمع السياق بينهما في آية واحدة، فالذي يتحدث هنا هو خالق هذه النفس العليم بدائها، الخبر بدوائها، وهو وحده الذي يعلم دروبها ومنحنياتها، ويعلم أين تكمن أهواؤه وأدواؤها، وكيف تطارد في مكامنها ومخابئها" (١).

[٤ - محاسبة العبد نفسه]

ومما يدفع الهوى ويبعده أن يحاسب المرء نفسه، وقد كان هذا دأب الصالحين، قال عمر بن الحطاب: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا" (٢). وفي الحديث: "الكيس من دان نفسه" (٣).

والمحاسبة تكون على أحوال:

الأولى: أن يحاسب العبد نفسه قبل أن يقدم على الفعل، وينظر في همّه وقصده. فالمرء إذا نفى الخطرات قبل أن تتمكن من القلب سهل عليه دفعها، ذلك أن بداية الأفعال من الخطرات، فالخطرة النفسية والهمّ القلبي قد يقويان، حتى يصبحا وساوس، والوسوسة تفسير إرادة، والإرادة الجازمة لا بد أن تكون فعلا. قال الحسن: كان أحدهم إذا أراد أن يتصدق بصدقة تثبت، فإن كانت لله أمضاها، وقال: رحم الله عبدا وقف عند همّه؛ فليس يعمل عبد حتى يهمّ، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخَّر. والتثبت في الخطرات إنّما يكون بعرض همّه وخطراته على الكتاب والسنة، فيجعل الكتاب والسنة دليله، فإن لم يتثبت بعقله لم يبصر ما يضره مما ينفعه، وما لم يكن العبد كذلك فإن النفس قد تدعو إلى أمور يظنها خيرا، ثم يتبين أنّها شر.


(١) في ظلال القرآن ٦/ ٣٨١٨.
(٢) الرعاية ص ٣٨.
(٣) تمامه (وعمل لما بعد الموت، والعاحز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله تعالى) رواه الحاكم في المستدرك والعسكري والقضاعي، وقال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط البخاري، وتعقبه الذهبي بأن فيه ابن أبي مريم وهو واه (انظر المقاصد الحسنة للسخاوي ص ٣٢٩).

<<  <   >  >>