للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[العبادة من غير المميز]

قررنا في شروط النية أن من شروطها أهلية الناوي، ومن أهليته أن يكون مميزا، فالعبادات التي تصدر من غير المميز لا تقبل منه؛ لأنه لا يعقل ما يفعل، وهذا أوضح من أن يستدل عليه.

[حج الصغير الذي لا يميز]

ويشكل على هذا أن العلماء صححوا حج الصغير غير المميز، وحجتهم في هذا حديث ابن عباس: أنه -صلى الله عليه وسلم- مرّ بامرأة في محفتها، فأخذت بعضد صبي كان معها، فقالت: ألهذا حج؟ فقال: "نعم، ولك أجر" (١).

وفي حديث جابر: "حججنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم" (٢).

قال ابن بطال: أجمع أئمة الفتوى على سقوط الفرض عن الصبيّ حتى يبلغ، إلا أنَّه إذا حجَّ كان له تطوعا عند الجمهور، وقال أبو حنيفة: لا يصح إحرامه، ولا يلزمه شيء من محظورات الِإحرام، وإنما يحجّ به على جهة التدريب (٣)، وهذا الذي ذهب إليه أبو حنيفة مخالف لما دلَّت عليه الأحاديث التي أوردناها.

ولكن كيف نصحح حجّ الصغير الذي لا يميز وهو ليس من أهل النية؟ الجواب أننا صححنا حجه بشرط أن ينوي عنه وليه، وقد حققنا في فصل "النيابة في النية" صحة نيابة الولّي في الحجّ في حال عجز المحجوج عنه بسبب هرم أو كبر أو موت، فهذا من ذلك الباب، لا من باب تصحيح النية من الصغير الذي لا يميز.


(١) قال ابن حجر في تلخيص الحبير (٢/ ٢٦٩): أخرجه مالك فى الموطأ، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن حبان، من حديث كريب عنه، وله ألفاظ عندهم.
(٢) قال ابن حجر في التلخيص (٢/ ٢٧٠): رواه ابن ماجه، وأبو بكر بن أبي شيبة، وفي إسنادهما أشعث بن سوار، وهو ضعيف، ورواه الترمذي من هذا الوجه بلفظ آخر.
(٣) نيل الأوطار (٤/ ٣١٠).

<<  <   >  >>