للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكانوا إذا أرادوا الشرب شربوا عليه، فكأنهم في رياض" (١).

ويذكر صاحب العقد الفريد أنَّ الفرس قسموا دهرهم كلَّه هذا التقسيم: قالوا: يوم المطر للشراب، ويوم الريح للنوم، ويوم الدجن للصيد، ويوم الصحو للجلوس، وما فعلوا ذلك إلا اتباعا لأهوائهم البهيمية، وإيثارا للراحة (٢).

[تعريف الهوى وبيان نتائجه وآثاره]

الهوى مقصور: "مصدر هوى يهوى هوى، أي: أحبّ، وهوى النفس إرادتها، قال اللغويون: الهوى محبة الإنسان الشيء، وغلبته على قلبه ... (٣)، ومتى تكلم بالهوى مطلقا لم يكن إلا مذموما، حتى ينعت بما يخرجه عن معناه، كقولهم: "هوى حسن، وهوى موافق للصواب" (٤).

والنفوس لها محبوبات تهواها، وتعشقها، وتطلبها، قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (٥).

وقد أودع الله النفوس حب هذه الأمور لحكمة بالغة، كي ينبعث الإنسان إلى تحصيل ما فيه صلاح لبدنه وبقاء نسله.

فإيداع النفوس حب هذه الأمور ليس مذموما، وإنما المذموم هو طلب هذه الأمور من غير الطريق المشروع، أو الإنشغال بها عن طاعة الله، يقول الغزالي رحمه الله: "فإن قلت: فهل من فرق دين الهوى والشهوة؟ قلنا: لا حجر في العبارات، ولكن نعني بالهوى: المذموم من جملة الشهوات دون المحمود،


(١) تاريخ الطبري (٤/ ١٧٨)، (ماذا خسر العالم ص ٧٢).
(٢) العقد الفريد (٦/ ٢١٨).
(٣) وعلماء الشريعة لا يخالفون اللغويين فيما ذهبوا إليه، يقول الجرجاني: الهوى ميلان النفس إلى ما تستلذه من الشهوات من غير داعية الشرع. التعريفات ص ٢٢٩.
(٤) لسان العرب ٣/ ٨٤٩.
(٥) سورة آل عمران: ١٤.

<<  <   >  >>