للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمحمود من فعل الله تعالى، وهي قوة جعلت في الِإنسان لتبعث بها النفس لنيل ما فيه صلاح إما بإبقاء بدنه، أو بإبقاء نوعه، أو صلاحهما جميعًا.

والمذموم من فعل النفس الأمارة .... " (١).

والغزالي يشير هنا إلى قوله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٢).

فالنفوس لها أمر ونهي، وهي تأمر بتحصيل مطلوباتها التي تحبّها، وتلتذ لها، واتباع ما تهواه النفوس يكون بفعل ما تهواه، والِإنسان لا بد أن يتصور مراده الذي يهواه، ويشتهيه في نفسه، ويتخيله قبل فعله، فيبقى ذلك المثال كالِإمام مع المأموم، يتبعه حيث كان، وفعله في الظاهر تبع لاتباع الباطن، فتبقى صورة المراد المطلوب المشتهى في النفس هي المحركة للإنسان الآمرة له.

واتباع الهوى بالاستجابة للنفس الأمارة من أعظم الضلال: {وَمَنْ أضَلُّ ممن اتبع هَوَاهُ بِغَيْرِ هدَىً مِنَ الله} (٣).

وقد عَدَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- اتباع الهوى أحد ثلاث مهلكات، فقال: "ثلاث مهلكات: شحّ مطاع (٤)، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه.

وثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، وكلمة الحق في الغضب والرضا" (٥).

واتباع الهوى له نتائج خطيرة، ولنتأمل في قوله تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} (٦). ومن ينظر اليوم ببصيرة


(١) ميزان العلم (ص ٢٤٥)، وانظر إحياء علوم الدين (٤/ ١١١).
(٢) سورة يوسف: ٥٣.
(٣) سورة القصص: ٥٠.
(٤) الشح: أشدّ من البخل، فالبخل: أن يبخل الإنسان بماله، والشح أن يضنّ بماله ومعروفه، وقيل أن يضنّ بمعروف غيره على غيره.
(٥) رواه البيهقي في شعب الإيمان (مشكاة المصابيح٢/ ٦٣٧).
(٦) سورة المؤمنون: ٧١.

<<  <   >  >>