للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مستنيرة بنور الإِيمان يعلم ما حل بالقلوب والعقول والأفراد والأسر والمجتمعات نتيجة لاتباع الهوى في السياسة والتشريع والاقتصاد وغير ذلك، يقول ابن القيم:

"وكل من له مسكة من عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه إنما نشأ من تقديم الرأي على الوحي، والهوى على العقل، وما استحكم هذان الأصلان الفاسدان في قلب إلا استحكم هلاكه، وفي أمَّة إلا وفسد أمرها أتم الفساد" (١)، والسبب في ذلك أن أهواء العباد غير محكومة بميزان، ولا تعتمد الحجة والبرهان، وإنما هي محبوبات ومكروهات يراد من ورائها اللذة العاجلة، والمتعة الزائلة.

ومن نتائج اتباع الهوى أن متبعه يعرض عن الحق، وهذا يورثه الجهل والضلال، حتى يعمى قلبه عن الحق الواضح، قال تعالى: {فَلَما زاغوا أَزَاغَ الله قُلوبَهمْ} (٢)، وقال: {وَلَا تَتبع الْهَوَى فَيضِلكَ عَنْ سَبيلِ الله} (٣). وإذا ضل العبد باتباعه الهوى فإن الشياطين تتلقفه، وقد لا يستطيع العودة إلى الحق: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} (٤).

ومن نتائجه أنه يبطل الأعمال الصالحة ويفسدها، فالذي يفعل ويترك اتباعا للهوى، لا عبودية لله، إذا عمل من الأعمال الصالحة ما وافق هواه، فإن عمله غير مقبول، لأنه لم يقصد به وجه الله تعالى، يقول الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز في أمثال هؤلاء: "لا تكن ممن يتبع الحق إذا وافق هواه، ويخالفه إذا خالف هواه، فإذًا أنت لا تثاب على ما اتبعته من الحق، وتعاقب على ما خالفته، لأنه إنما قصد اتباع هواه" (٥).


(١) إعلام الموقعين (١/ ٧٢).
(٢) سورة الصف: ٥.
(٣) سورة ص: ٢٦.
(٤) سورة الأنعام: ٧١.
(٥) مجموع الفتاوى (١٠/ ٤٧٩).

<<  <   >  >>