للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعمل والكفاح في الحياة لبناء الحضارة الِإنسانية الخيرة، ويسدّ الثغرات التي تظهر في العالم المادي نتيجة للدوافع الحيوانية التي تولّد الصراع الحادّ في أعماق نفس الإنسان، والتي تظهر على شكل مظاهر كثيرة متنوعة من الفساد العام الذي يصيب الفرد والجماعة، فيتحول المجتمع الإنساني إلى مجتمع يسود فيه منطق الأقوياء الجشعين والناهبين الظالمين والمفسدين الضالين.

إنّ النظام الروحي في الإسلام يحافظ على الحضارة الإنسانية من أن تتحول إلى أداة شقاء، وبؤرة مرض، كما حدث في الحضارة الحديثة، عندما يتحول الِإنسان في ظلها إلى آلة جامدة، ثمَّ إلى مجموعة عقد مرضية، ثم إلى انحراف خطير، ولّد الثغرة الكبرى والفراغ الهائل الذي يريد المربون معالجته، ولكن بدون جدوى؛ ذلك لأنَّهم عندما جزؤوا الإنسان، وعالجوه مقطع الأوصال، لم يصيبوا كبد الحقيقة، ولم يدركوا حقيقته الكبرى من حيث هو كائن ثنائي التركيب، مركب من المادة والروح، وليس نموذجا من النماذج الحيوانية الكثيرة المنتشرة على الكرة الأرضية.

سرّ المسألة:

وسرّ المسألة أنَّ أصحاب هذا الاتجاه من المسلمين ظنوا في بداية الأمر أن القصد الذي يتطلع صاحبه إلى ثمرات الأعمال ونتائجها وحظوظه منها- مزاحم للقصد المتجه إلى الله فيكون ذلك تشريكا يجب أن ننزه عنه نياتنا، ومن هنا اندفعوا جاهدين كي ينتزعوا من أعماق نفوسهم تلك الخواطر والمقاصد التي تتطلع إلى محبوباتها من الأعمال المشروعة، فلمّا وجدوا صعوبة في الأمر تحول دون تحقيق المراد رموا الدنيا وراء ظهورهم، وقصروا تطلعاتهم على الأعمال التي أمروا بتحقيقها، وجاهدوا النفوس كي لا يبقى لهم مراد غير ذلك المراد.

ولا يفوتنا -ونحن نبحث في أصل المسألة- أن نقرر ما قرره المحققون من العلماء من أنَّ الشارع قصد فى وضعه للشريعة مصالح العباد في العاجل والآجل،

<<  <   >  >>