وقد دل على هذا استقراء العلماء للشريعة في أعظم مصدرين: الكتاب والسنة، وقد دلَّ استقراؤهم على أنَّ هذا الأمر (القول بأن الشريعة وضعت لمصالح العباد) مستمر في جميع تفاصيل الشريعة. وإن الاستدلال مفيد للعلم لكثرة الأدلة الدالة على ذلك (١)، فإذا كان هذا مقرَّرا، فكيف يجوز أن نمنع العابد من أن يتطلع إلى المصابيح التي قصدها الشارع من أعمال المكلفين؟
لو ذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى القول بمنع العبّاد من النظر والتطلع إلى مصالح ونتائج لا يرتضي الشارع أن تجعل الأعمال المتعبد بها وسيلة إليها- لكان هذا القول مرضيا ومقبولا، لأن المكلف مطالبا بألَّا يتوجه ولا يقصد إلاّ ما قصده الشارع من المصالح، أما أن نرفض جواز التطلع إلى الخير المترتب على أعمالنا المتعبد بها مع أنَّ الشارع ارتضاه وقصده، فهذا في غاية الصعوبة.
ونستطيع هنا أن نتقدم خطوة فنقول: إن قصد هذه الحظوظ من الأعمال المتعبد بها مقصودة للشارع ومطلوبة من المكلف لأنّها تناسب حاله، وعمله على هذا النحو يصلح أمره، ويحفظ عليه دنياه وأخراه. ويحسن أن نقرّر بوضوح أن التطلع إلى ثمرات الأعمال المتعبد بها -سواء أكانت عبادات أصلا أم عاديات متعبد بها- لا يضاد الإِخلاص ولا يناقضه، ما دمنا نقصد مقاصد الشارع المترتبة على الأعمال.
ولقد أحدثت هذه النظرية شرخا في نفوس المسلمين، لأن هؤلاء حاروا بين هذه النظرية التي تدعوهم إلى المثالية والترفع في مقاصدهم وبين واقع حالهم، إذ وجدوا أنفسهم غير مطيقين للانسلاخ من رغباتهم، وصرف أنفسهم عن النظر إلى نتائج الأعمال.
كيف نريد من الذي يريد طهارة -وضوءًا أو غسلا- ألاّ يقصد مع قصد التقرب إلى الله تعالى- التنظف والتطيب! وإذا كان الجو حارا كيف نريد من هذا الإنسان