للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن جادة الصواب. والسعادة تكمن في التوجه الصادق إلى الله دون سواه.

هذا في الدنيا، وهناك السعادة والشقاء في الآخرة، وهما مرتبطان بمسيرة الإنسان في هذه الحياة، فالذي توجه إلى الله وحده في الدّنيا دون سواه، وعمل في دنياه للغاية الباقية، فإنه في الآخرة من الفائزين السعداء، وتلك السعادة كما يقول الغزالي: "بقاء بلا فناء، ولذة بلا عناء، وسرور بلا حزن، وغنى بلا فقر، وكمال بلا نقصان، وعزّ بلا ذلّ" (١).

وهذه هي السعادة الحقيقية الباقية الدائمة، وغيرها مضمحلّ ذاهب. يقول ابن حزم في هذا: "إذا تعقبت الأمور كلَّها فسدت عليك، وانتهت في آخر فكرتك باضمحلال جميع أحوال الدنيا إلى أنّ الحقيقة إنّما هي العمل للآخرة فقط؛ لأن كل أمل ظفرت به فعقباه حزن، إما بذهابه عنك، وإمّا بذهابك عنه؛ ولا بد من أحد هذين السبيلين؛ إلا العمل لله عز وجل، فعقباه على كل حال سرور في عاجل وآجل: أمّا في العاجل فقلة الهمّ بما يهتم به النّاس، وإنك به معظّم من الصديق والعدو؛ وأما في الآجل فالجنَّة". (٢)

وفي السعادة والشقاء الدنيوي والأخروي يقول رب العزة: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (١٢٥) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (١٢٦) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} (٣).

٤ - لا سبيل إلى تحرر النفس الِإنسانية إلاّ بتوجهها إليه:

إنَّ مفهوم العبودية لله في الإسلام يعني الحرّية في أرقى صورها وأكمل مراتبها، العبودية لله إذا كانت صادقة تعني التحرر من سلطان المخلوقات والتعبد لها، فالمسلم ينظر إلى هذا الوجود نظرة صاحب السلطان، فالله خلق كل ما فيه من


(١) ميزان العمل ص ١٨٠.
(٢) الأخلاق والسير ص ١٣.
(٣) سورة طه / ١٢٣ - ١٢٧.

<<  <   >  >>