للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحق، وعند ذلك يصل الإنسان إلى مطلوبه ومعبوده الذي لا غنى له عنه ولا سكون له إلا به، ذلك مقتضى طبعه، وتلك حاجة نفسه: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (١).

فالإنسان يشقى إذا كان وجهه وقصده وهمه لغير فاطره، ويشقى مرة أخرى لأن همومه تتعدد، وغاياته تتشتت، فإذا لم يكن همّ العبد همًّا واحدا تقاسمته هموم الدنيا، فعند ذلك لا يدري إلى أين يسير، ولا كيف يتجه؟! فمرة يشرّق، ومرة يغرب، ومرة يعبد صنما، وأخرى شمسا وقمرا، ويحاول إرضاء هذا مرة، وذاك مرة، والذي رضي عنه قد يغضب عليه، والذي زين له العمل قد يستقبحه منه بعد حين، وعند ذلك يصاب الإنسان بما أسماه علماء النفس بالصراع النفسي، والقلق الروحي، والعقد النفسية والأمراض ... ، وقد يصل الأمر بالإنسان إلى الانتحار. أما المسلم فغايته واحدة، ومنهجه الذي يؤدي إلى الغاية واحد، وهو قادر على أن يرضي الله ويسير على هداه، وبذلك تجتمع على العبد نيته، ويتوحد مطلوبه، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "منْ كانتْ نِيّته الآخرةُ جَعَل الله غِنَاهُ فِي قَلْبهِ، وَجمَع لهُ شمْلَهُ، وَأتته الدنْيَا وَهِيَ رَاغِمَة، وَمنْ كانت نيتَه طلَبُ الْدنْيَا جَعَلَ الله فقْرهُ بينْ عَيْنَيْه، وَشتَّت عَليْه أَمْرَه، وَلَا يَأْتيه منْهَا إلا مَا كتب له" (٢).

وانقسام الغاية يشقي الإنسان، لأن الإنسان ذو قلب واحد لا يمكنه أن يتخذ معبودين، ويتجه إلى غايتين تتقاسمان أعماله: {ما جَعَلَ الله لِرَجل مِنْ قلْبَيْن فِي جَوْفِهِ}. (٣) فالإنسان له قلب واحد ينبغي أنْ يتوجه إلى رب واحد، فإنْ توجّه إلى معبودين سبب ذلك للإنسان شقاء وأي شقاء. وخلاصة القول أن التوجه إلى غيره في جملته شقاء، شقاء القلب والنفس، وهو كذلك ضلال عن الحق، وبعد


(١) سورة الروم / ٣٠.
(٢) رواه الترمذي عن أنس وأحمد والدارمي عن أبان عن زيد بن ثابت (انظر الدين الخالص ٢/ ٣٨٨).
(٣) سورة الأحزاب / ٤.

<<  <   >  >>