وقد أبان هذه المسألة الشاطبي في الموافقات فقال:"اتباع الهوى طريق إلى المذموم، وكان جاء في ضمن المحمود، لأنَّه إذا تبيَّن أنَّه مضاد بوضعه لوضع الشريعة، فحيثما زاحم مقتضاها في العمل كان مخوفا"(١). واستدل على ذلك بثلاثة أدلّةٍ:
الأول: أنَّ الهوى سبب تعطيل الأوامر وارتكاب النواهي، لأنه مضاد لها.
الثاني: أنَّه إذا اتبع واعتيد ربما أحدث للنفس ضراوة وأنسًا به، حتى يسري معها في أعمالها، ولا سيما وهو مخلوق معها ملصق بها في الأمشاج، فقد يكون مسبوقا بالامتثال الشرعي، فيصير سابقا له، وإذا صار سابقا له صار العمل الامتثالي تبعا له وفي حكمه، فبسرعة ما يصير صاحبه إلى المخالفة، ودليل التجربة حاكم هنا.
الثالث: أنَّ العامل بمقتضى الامتثال من نتائج عمله الالتذاذ بما هو فيه، والنعيم بما يجنيه من ثمرات الفهوم، وانفتاح مغاليق العلوم، وربما أكرم ببعض الكرامات، أو وضع له القبول في الأرض، فانحاش الناس إليه، وحلقوا عليه، وانتفعوا به، وأمّوه لأغراضهم المتعلقة بدنياهم وأخراهم، إلى غير ذلك مما يدخل على السالكين طرق الأعمال الصالحة من الصوم والصلاة وطلب العلم والخلوة للعبادة، وسائر الملازمين لطرق الخير. فإذا دخل عليه ذلك كان للنفس به بهجة، وأنس وغنى ولذة ونعيم، بجث تصغر الدنيا وما فيها بالنسبة إلى لحظة من ذلك، كما قال بعض الصالحين: لو علم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا بالسيوف. وإذا كان الأمر كذلك فلعلَّ النفس تنزع إلى مقدمات تلك النتائج فتكون سابقة للأعمال، وهو باب السقوط عن تلك الرتبة، والعياذ بالله".
[علاج الهوى]
وللإنسان في مجاهدة الهوى ثلاثة أحوال، كما يقول الغزالي: