لا خلاف بين الناس في أنّ المطلوب الذي يرمون إلى تحقيقه وإيجاده هو السعادة، فمن أجل السعادة ينطلق الناس في مساعيهم وأعمالهم يومًا وراء يوم، وشهرا في إثر شهر، وعاما بعد عام، وقد أقرّ بهذه الحقيقة أهل الفكر والمعرفة، وعلماء الاجتماع والنفس، يقول ابن حزم في هذا:"تطلبت غرضا يستوى الناس كلّهم في استحسانه وفي طلبه، فلم أجده إلاّ واحدا، وهو طرد الهمّ، فلما تدبرته علمت أن الناس كلَّهم لم يستووا في استحسانه فقط، ولا في طلبه، ولكن رأيت الناس على اختلاف أهوائهم ومطالبهم وتباين هممهم ومراداتهم لا يتحركون حركة أصلا إلاّ فيما يعانون به إزاحته عن أنفسهم، فمن مخطىء وجه سبيله، ومن مقارب للخطأ، ومن مصيب، وهو الأقلّ من النّاس في الأقل من أموره.
فطرد الهمّ مذهب قد اتفقت الأمم كلُّها منذ خلق الله تعالى العالم إلى أن يتناهى عالم الابتداء، ويعاقبه عالم الحساب على ألا يعتمدوا بسعيهم شيئًا سواه، وكل غرض سواه ففي النّاس من لا يستحسنه" (١).
وهذا الذي أسماه ابن حزم بطرد الهمّ، هو الذي أسميناه بالسعادة، فالسعادة لا تتحقق إلا بطرد الهموم التي تلمّ بالنفس.
ومع أنّ الناس اتفقوا على هذا المذهب إلاّ أنَّهم اختلفوا اختلافا كبيرا في تحديد السعادة التي ينبغي أن يقصدها الإنسان، ويسعى إلى تحقيقها في واقع الحياة.