للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أجلنا، وسخّره لنا: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السمَوَاتِ وَمَا في الأرْضِ جَميعًا منه ... } (١).

وما دام الأمر كذلك فالمسلم لن يخضع لهذه المخلوقات، وبين يقصدها لأنها أقل منه شأنا، فهي مخلوقة لنفعه وصلاحه.

والمسلم لن يستعبده إنسان مثله، فالناس جميعا عبيد الله، فإنْ حاول بعض المتمردين من بني الإنسان أن يطغى ويبغي- وقف المسلم في وجهه يقول كلمة الحق، ويذكر هؤلاء بأصلهم الذي منه خلقوا، ومصيرهم الذي لا بدَّا لهم منه، ويذكر هؤلاء بضعفهم وعجزهم، علَّهم يفيقون ويرجعون. وبالعبودية لله يتحرّر الِإنسان مِنْ أَهْوائِهِ، فالهوى شَرُّ وثنٍ يعبْد: {أرأيتَ من اتخَذَ إلهَهُ هَوَاه} (٢) فالهوى قد يجْعل إليها معبودا يسيطر على نفس صاحبه، فلا يصدر إلا عن هواه، ولا يسعى إلاّ لتحقيق ما يبعثه إليه، والإسلام يعتبر الخضوع لأهواء النفس التي تدعو إلى المحرمات والآثام عبودية لهذه الأمور. أما التسامي عمّا تدعو إليه النفس من المحرمات -وكان كانت محبوبة للنفوس- فإنه يمثل في الإسلام الحريّة الحقة، لأنّه وإنْ قيدت حرّيته من جهة، بأن ألزم بترك بعض ما يشتهي، إلاّ أنه تحرّر من سلطان الهوى من جهة أخرى.

والذين يزعمون أنهم يستطيعون تحقيق الحريّة بعيدا عن الله ومنهجه مخطئون، لأنَّ الإِنسان، بل كل مخلوق، سيبقى عبدا شاء أم أبى، إلا أنه إن رفض الخضوع لله اختيارا فسيخضع لمخلوق مثله، لا يملك له نفعا ولا ضرا، بل قد يخضع لمن هو أقل منه شأنا، وبذلك يكون قد استبدل عبودية بعبودية، ولم يخرج من العبودية إلى الحرية، بل خرج من عبودية الله إلى عبودية الطاغوت، وثنا، أو صنما، أو بشرا، أو شمسا، أو قمرًا ... ، وقد ذمّ الله كل من كانت هذه


(١) سورة الجاثية / ١٣.
(٢) سورة الفرقان / ٤٣.

<<  <   >  >>