للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سَوَّاهَا فَألْهَمَهَا فجُورَهَا وَتَقْواها} (١)، وزود الله الإنسان بالبصيرة: {بلِ الإنْسَانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَة} (٢)، وهدى الإنسان إلى طريقي الخير والشر: {أَلَمْ نَجعَلْ لهُ عينيْنِ وَلسَانًا وَشَفَتَينِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (٣). كل ما في الأمر أنَّ الأديان السماوية تكشف الغشاوة عن القلوب، وتزيح الظلمات التي حجبتها عن الحق، وحجبت الحق عنها، وتمدّها بالنّور الذي يمدّ البصيرة الداخلية ببصيرة إلهية فيكون {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} (٤).

أما الشرائع الوضعية فإنّها تفسد الضمائر، وتدسّي النفوس: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} (٥).

وممّا يقوي الضمير في نفس المسلم ويحييه أن يربط العبد قلبه بربه خوفا وطمعا، ورغبة ورهبة، فالخوف من الله والوقوف بين يديه يدفع الهوى ويقهره: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (٦).

يقول المرحوم سيد قطب في تفسير هذه الآية: "الذي يخاف مقام ربه لا يقدم على معصية، فإذا أقدم عليها بحكم ضعفه البشري، قاده خوف هذا المقام الجليل إلى الندم والاستغفار والتوبة، فظل في دائرة الطاعة ونَهْي النفس عن الهوى هو نقطة الارتكاز في دائرة الطاعة، فالهوى هو الدافع القويّ لكلّ طغيان، وكلّ تجاوز، وكلّ معصية، وهو أساس البلوى، وينبوع الشر، وقلَ أن يؤتى الِإنسان إلاّ من قبل الهوى، فالجهل سهل علاجه، ولكن الهوى بعد العلم هو آفة النفس التي تحتاج إلى جهاد شاق طويل الأمد لعلاجها. والخوف من الله هو


(١) سورة الشمس ٧ - ٨.
(٢) سورة القيامة: ١٤.
(٣) سورة البلد: ٨ - ١٠.
(٤) سورة النور: ٣٥.
(٥) سورة البقرة: ٢٥٧.
(٦) سورة النازعات: ٤٠.

<<  <   >  >>