للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أجاب الشاطبي (١) عن هذه القضية ووضحها قائلا: "إذا ظهر من الشارع في بادىء الرأي القصد إلى التكليف بما لا يدخل تحت قدرة العبد فذلك راجع في التحقيق إلى سوابقه أو لواحقه أو قرائنه، فقول الله تعالى: {وَلَا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (٢)، وقوله في الحديث: "كُنْ عَبْد الله المَقْتولَ، ولاَ تكُنْ عَبْدَ الله القَاتِلَ" (٣)، وقوله: "لا تَمُتْ وأنْتَ ظَالِم"، وما كان نحو ذلك، ليس المطلوب منه إلا ما يدخل تحت القدرة، وهو الإسلام وترك الظلم والكفّ عن القتل والتسليم لأمر الله تعالى، وكذلك سائر ما كان من هذا القبيل" (٤).

وعلى ذلك فيكون التكليف بتوجيه العبد نيتة إلى الإِخلاص وقصد الله دون سواه باكتساب الأسباب التي تؤدي إلى ذلك، بأن يتعرف على الله، ويتملى في بديع صنعه، وعظيم نعمه، ويتعرّف إلى صفاته، وينظر في عظيم ثواب الطائع، وعظيم عقوبة العاصي، وينظر في الفوائد التي تعود عليه من الطاعات في الدنيا والآخرة، فعند ذلك تنبعث النفس إلى العمل بطاعة الله صادقة مخلصة. وإذا كان الغالب على العبد أمر الدين، وامتلأ قلبه بحب الله وخوفه ورجائه سهل عليه استحضار النيَّة، لأن قلبه مائل إلى الخير باستمرار، أما الذي يميل قلبه إلى الدنيا دائما فإنّه يصعب عليه الإخلاص.


(١) هو إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي، أصولي حافظ من أئمة المالكية، له كتاب (الموافقات)، وكتاب (الاعتصام)، توفي سنة (٧٩٠ هـ) (الأعلام١/ ٧١)، (معجم المؤلفين ١/ ١٢٨).
(٢) سورة آل عمران/ ١٠٢.
(٣) رواه أحمد في مسنده (٥/ ١٠١).
(٤) الموافقات (٢/ ٧٨).

<<  <   >  >>